“أنا أحمد جلال بن محمد بن أديب من آل زيتون، أصحاب تدمر والبادية، من عضد سيف الله المسلول خالد بن الوليد المخزومي، عهد بها إليهم عقب مروره بالبلاد التدمرية مبشراً بدين الله الحنيف، فلقي ترحيباً واسعاً بالرسالة المحمدية، مواصلاً بعدها سيره إلى ربوع حمص التي استقبلته بالترحاب ليستقر فيها، فكان مقامه ومقام رفاته في ربوعها رمزاً ومعلماً اسلامياً تاريخياً، ولدت بمدينة دمشق القديمة في إحدى دور حارة الورد التي تشع منها رائحة الياسمين وعطر الورود، والبيوت مكتظة، وسكانها تربطهم علاقات الأسرة الواحدة، من هناك بدأتُ رؤية الدنيا، وانطلقت منها في مسيرة رحلة الحياة.
أما الأهل فكان لهم امتدادهم من تدمر عاصمة الصحراء وقلعة بادية الشام إلى دمشق عاصمة الأمويين، ولهم فيها أحياؤهم وأسواقهم في حي الميدان “الفوقاني”، حيث كان نشاطهم التجاري وتعاملاتهم مع حملات قوافل الحجيج التي تتواصل إلى الديار المقدسة في المدينة المنورة ومكة المكرمة.
أما رحلتي الدراسية فقد مررت بها بمحطات عديدة شملت؛ فلسطين وسوريا والعراق ومصر وبلجيكا ثم في الجمهورية الجورجية، حتى كانت إقامتي وتوطني بدعوةٍ من صاحب السمو الحاكم الشيخ صقر بن محمد القاسمي طيب الله ثراه في إمارة رأس الخيمة من دولة الإمارات العربية المتحدة العزيزة.. فكانت الإمارات الموطن والوطن”.
هكذا قدم د. أحمد جلال التدمري نفسه مرة، وبالأمس لقي وجه ربه، بعد أن أمضى حياته في العلم والعمل والبحث والدراسة والمراجعة. أسس مركز الدراسات والوثائق برأس الخيمة، وكان مديراً لدائرة الإعلام والسياحة، ومسؤولاً عن متحف رأس الخيمة، من إصداراته؛ “الجزر العربية الثلاث” باللغتين العربية والانجليزية، و”شاعر ينشد” و”الأخلاق عند العرب قبل الإسلام وبعده” و”مدارات في حركة الزمن” و” سلطنة هرمز العربية” وله دراسات منها: “الشيخ زايد والمسيرة الوحدوية” و”تاريخ جلفار” و”قصر الزباء” و”الدس الشعوبي” و”الإنسان والتاريخ” و” ضرورة كتابة التاريخ ونهضة الأمة” راجع كتاب “إيضاح المعالم في تاريخ القواسم” للقاضي سالم بن حمود السيابي.
د. أحمد جلال التدمري، هو من الرجال الذين تراهم، ويخجلك بدماثة خلقة، ورقي معاملته، وهمس حديثه، وتبحر معلوماته، يشعرك أنه قدّ من تعب وعمل ومثابرة، التقيته للمرة الأولى في ندوة “أحمد بن ماجد.. أسد البحار” التي أقامها اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، بالتعاون مع اتحاد المؤرخين العرب، عام 1989م، ودعا لها باحثين ومؤرخين عرباً وأجانب من البرتغال وإسبانيا وغيرهما، وكان د. أحمد جلال وقتها، من المساهمين الفاعلين، والقريبين جداً من مكان ومكانة ذلك البحّار، ليس من واقع الكتب والدراسة فقط، وإنما من واقع الحال والمعاش في جلفار، ومن مواقع انطلاقاته البحرية من مرفأ قديم هناك. كان لخبر الوفاة المحزن بالأمس، ولرحيل التدمري أثر بالفقد والخسارة، لأن أمثاله قلما يتكررون أو تسمح لك الحياة بالالتقاء بهم.

amood8@yahoo.com