أذكر جيداً عندما كنا نأتي لأبوظبي من دبي في فجر الاتحاد كنا نتلذذ بتسميتها “العاصمة” فلأول مرة أصبحنا كسائر بلدان العالم التي تُدَرَسُ لنا في المرحلة المتوسطة “التي أصبحت الآن حلقة ثانية” وأصبح في ظل الاتحاد لدينا قلب اسمه أبوظبي. وفي الطريق كانت اللافتات الإعلانية تزور مجال نظرنا بفرصٍ متقاربة ومتساوية المسافات وتحتوي على إطارات، وثلاجات، ومكيفات، وبطاريات، وسجائر ومشروبات غازية ترفعك 7 درجات أو تفور بنكهات غريبة عند التماسها بالماء. اليوم تلك الإعلانات بها أطعمة سريعة التحضير، رخيصة المقادير، ثقيلة التكاليف على الجسد وكل ما يزين المظهر الخارجي ويدمر الحياة الاجتماعية كالساعات والملابس الغالية والعقارات وقروض البنوك المتهافتة على المحتاجين والهالكين في دروبها الشائكة. الفرق بين الماضي واليوم يقاس حتى على هذه الدلالات التي يعتبرها البعض عفوية، ربحية وغير مقصودة. والفرق بين الأمس واليوم لدي أكبر فلقد كنت أقيس نقطة دخول العاصمة من منطقة سيح شعيب، حيث ولزمنٍ قريب وقفت لائحة عليها صورة لشابة وشاب يقدمان القهوة لزوار العاصمة وعبارة “مرحباً بكم في أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة” ومنذ أصبحت أعمل بالعاصمة وأحضر إليها كل يوم صرت أبحث عن ذلك “النيشان” الذي كان وساماً على صدورنا ودليلاً ذهنياً لنهاية وبداية ودخول في أجواء العمل ونشأت بيني وبين تلك الشابة والشاب علاقة وطيدة حتى أسميتهم “عذيجة وسلطان” وصرت أشكرهم على الدلة والفنيال كل يوم وفي كل مرة أحضر فيها للعاصمة اُحييهما فأرفع يدي حتى تتجاوز سيارتي نطاق وجودهما. وذات يوم لم أجدهما وزالت علاقة جميلة شاءت الأقدار نهايتها وبطريقة مفاجئة، ومنذ إزالة هذا الصرح التاريخي الاستراتيجي من تصوري الذهني وواقعه الجغرافي فقدت جزءا كبيرا من تصوري للطريق حتى قالت لي أم خالد: يا أختي، شو ها الخزعبلات؟ فكان ردي لها: السالفة وما فيها أن أهل الإمارات تنشأ بينهم وبين كل شيء يلمس روحهم ويلاقي نظرهم علاقة.. ولقد أصبح بيني وبين هؤلاء عِشرَة مب يوم ولا يومين! واقتنعت أم خالد بذلك التعليل حتى أصبحت تحييهما كما أفعل. وتذكرت بعض السطور التي كتبها راشد عبدالله النعيمي في وصفه للشيخ زايد - طيب الله ثراه- كل من يراه ويتكلم معه يصبح صديقاً له. لقد ترك الشيخ زايد –طيب الله ثراه- في نفوسنا ما ترك، فهو من منحنا وطناً نعيش وننام فيه بأمان وهو من أبهج واقعاً نلتمسه في حياتنا اليومية هنا وهناك وفي أرجاء الوطن العربي الممتد حتى عندما تغيب عن نظرنا ونفتقد صورة “عذيجة وسلطان”، لاتزال العاصمة قلب الاتحاد. bilkhair@hotmail.com