أقامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، احتفالية كبيرة في مقرها بباريس، تحت شعار “الدفاع عن ملالا يوسف زاي، وحق الفتيات والنساء في التعليم”، على هامش احتفالات المنظمة الدولية باليوم العالمي لحقوق الإنسان. وقد حرصت الإمارات على المشاركة بوفد رفيع في تلك الاحتفالية، وقد كانت السباقة في مبادرتها الإنسانية بنقل الفتاة ملالا يوسف زاي بطائرة إخلاء طبي لتقديم العلاج لها في مستشفى بريطاني متخصص، بتوجيهات ومتابعة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. كما كانت الإمارات أول دولة تندد بالاعتداء الإرهابي الذي استهدف فتاة لم تتعد الخامسة عشرة، لمجرد أنها وقفت في وجه أعداء الحياة في تلك المنطقة القبلية من باكستان، حيث تحاول “طالبان” الباكستانية، وصنوها الأفغانية، وقف عجلة التاريخ والتقدم. ملالا تصدت لهم بقوة وتحدٍ، وهي تحث الفتيات في بلدتها والقرى المجاورة على العلم، باعتباره بوابة العبور باتجاه المستقبل، والتخلص من الثالوث الرهيب الذي يعصف بالمجتمعات من جهل وفقر ومرض. لقد كانت مشاركة الإمارات في تلك الاحتفالية صورة من صور التضامن الإنساني الذي تحرص عليه، وتجسيداً لرسالة تحمل لواءها وتؤمن بها، بأن نشر التعليم وتوفيره لمختلف شرائح المجتمع، وبالذات للفتاة، يعد من أهم عناصر الارتقاء بالمجتمعات، وبالذات في البلدان النامية للانتقال بها نحو التنمية الحقيقية. وهي رسالة وقناعة وردت في ميثاق “اليونيسكو” الذي يؤكد أن “التعليم الجيد والنوعي، هو الطريق إلى صوغ وترسيخ إنسانية الإنسان، وبناء حصون السلام في عقول البشر”. وعندما يغمر نور العلم أي مجتمع، تجده يتفرغ للبناء والابتكار ونشر ثقافة الحب والسلام والحوار والانفتاح والتعايش والتفاهم الإنساني، وهي مقدمات بناء الحضارات التي قامت على التنمية الإنسانية الخلاقة، وانطلقت بتفاعل لأجل خير المجتمعات كافة. لقد كانت تلك الاحتفالية وقفة تضامن عالمية ضد الجهل الذي يعيش ويقتات عليه الفكر المتطرف الذي انتشر في مجتمعات بدائية، ليروج للقتل والتدمير والإقصاء ورفض الآخر، والذي ينتمي لعصور الجاهلية الأولى التي كانت توأد فيها البنات، وإلا ما الفارق بين من أشهر مسدسه في وجه فتاة بريئة ليسدد رصاصته نحوها، والذين يئدون البنات في زمن أبو جهل؟. إن الأكثر إيلاماً في الأمر أن أعداء الحياة وظلاميي اليوم يتدثرون برداء الإسلام الذي يحض على العلم والتعلم، وأول كلمة أنزل بها الخالق عز وجل كتابه على خاتم الأنبياء والمرسلين “اقرأ”، دين الحق الذي أكرم المرأة أرفع وأنبل تكريم، واعتبر من يقتل نفساً بغير حق كأنما “قتل الناس جميعاً”، دين يريد أهل الجهالة جعله مطيتهم لمحاربة العلم والعلماء، ومنع الفتيات من أبسط حقوقهن في التعليم، وتشجيع القتل والتفجير والتدمير، بحق من يخالفهم الرأي، ليقفوا بعد ذلك كالغربان والبوم ينعقون فوق ركام الخرائب وبرك الدماء وروائح الموت المتنقل. الاحتفالية لم تكن مجرد تضامن مع صبية بريئة تدعى ملالا، وإنما للانتصار لحق كل إنسان في العلم، وفي الحياة الحرة الكريمة، صرخة تصدي للظلاميين المتدثرين بالدين، وضد كل تطرف وغلو باسم الإسلام. ali.alamodi@admedia.ae