ما يحدث في مصر، وقبلها في ليبيا وتونس، وجوه متعددة لمضمون واحد، ألا وهو ركام ثقافة وحطام تاريخ عرب ضارب الجذور واسع الثغور منتشر البذور .. لا يستطيع أن يتنبأ بأن الأحوال سوف تستتب، وأن أوراق الديمقراطية سوف تزهر، وأن الحرية سوف تثمر، وتصير شجرة الثورات العربية أرفع قامة من الجبال الشم، وأنصع من النجوم، وأندى من الغيوم، وأنقى عبيراً من المشموم .. لماذا .. لأن الثورات قامت على أسس ثارات وأجندات، والذين دفعوا بهذا القطار السريع، يؤمنون إيماناً تاماً بمذهب “أنا ومن بعدي الطوفان”. وحادثة الجمل حاضرة في الذهن المصري والعربي، وهي الدليل القاطع أن الدفع بالعجلات الأربع لم يكن الهدف منه حرية مصر، وإنما انفكاك حزب له أجندته الخاصة وتغريدته، وتغريبته، وأهواؤه، وأرزاؤه، واليوم يتجلى الأمر أمام المصفقين والمهللين، والنازحين باتجاه الأحمر الفاقع والقابعين تحت رمال شعارات في ظاهرها أمل وفي باطنها خلل، والله وحده يعرف أين الزلل، كون الناس اليوم يركضون خلف الألوان بأشجان الاحتقان وعدم الاتزان، ساعين إلى بر الأمان، ولا يعرفون أنهم ذاهبون نحو الطوفان. مصر العزيزة، تستحق من يحكمها يؤمن باختلاف الألوان، وتعدد الأطياف، ويؤمن أن الخلاف لا يفسد للود قضية، هذا إن كان يحب مصر، وشعب مصر، وحضارة مصر، وتاريخ مصر، وإرثها الثقافي الذي أنجب الفطاحل والأفذاذ، أما إن كان سيقول: “إذا سلمت أنا وناقتي وما عليَّ من رباعتي” ويتمسك بالسلطة كما تفعل الضواري بالفرائس، فإن على مصر السلام، لأنه ما من حي يرزق على أرض مصر، سيقبل بالنفحات الإقصائية، والنفحات الإلغائية حتى ولو ألبست ثوب الدين، لأن الدين منها براء وإسلامنا علمنا حب الآخر ومجادلته بالحسنى، ولا أحد فوق الوطن، فهو الحضن والحصن، والغصن، والرسن، هو المكان والزمن، هو القدرة الفائقة على احتواء كل من في صدره غبن. ومن يفكر بغير ذلك، فإنه خاسر، باسر، لا يخوض إلا في رمال متحركة، وبحار هائجة، لن ينفعه بعدها حزب أو طائفة، ولن تشفع له الشعارات المبللة بزيت التدليس، وحرق المراحل، وسحق المفاصل ولعق كل ما قيل من تمنيات وآمال عراض، قبل امتطاء الهودج، والذهاب في الطريق الأعوج. فلا بد من وعي يتغلَّب على اللاوعي، وينتصر على غيبوبة أزمنة، عاثت، وعاشت، وجاشت، وتفشت، وأنجبت رؤوساً تظن أنها صاحبة صكوك الغفران والنهر المقدس، ومن عداها ، فهم خارجون عن الملة والنحلة .. لا بد من وعي ينظف التاريخ من ثقافة السقوف الحفيضة، وتقاليد الأجندات المرسلة عبر البريد المستعجل، وعقيدة الانتماء إلى الحزب دون الوطن. marafea@emi.ae