لاشيء يعادل مجازفة مهربي المخدرات، وجرأتهم، وتطرفهم في بعض الأمور، بحيث لا يستوعبها العقل، ويستنكرها أقل الناس مروءة، لكن مهربي المخدرات يعتبرون أنفسهم “بائعي أعمارهم” قبل أن يبيعوا الموت، لذا يقدمون على أفعال أكبر من الخطر، وأبعد من المجازفة، من ذلك، حادثة امرأة كولومبية قادمة إلى برشلونة تم إلقاء القبض عليها بعدما شك رجال الأمن في قياس ضغط حقائب الأمان “أيرباغ” والتي كانت تفوق المعدل الطبيعي لصدر أي امرأة، والنتيجة أنهم كانوا محقين، فقد كان محشواً بالكوكايين بدلاً من الكولاجين، ومرات عدة يتم ضبط أشخاص وهم يهربون المخدرات في أحشائهم أو يخبئونها كالتحاميل في بطونهم، أو يحشون بها أسنانهم، أو يضعونها في جوز الهند المجوف أو داخل قشرة الجوز، أو داخل كعب الحذاء المفرغ، أما التلاعب بحقائب السفر ومخابئها السرية فقد أصبح من أدوات التهريب القديمة، وهناك من لا يخاف ربنا، فيقدم على تهريب المخدرات بين دفتي الإنجيل أو القرآن، كما فعل مرة أحد الحجاج الذي شد الرحال إلى بيت الله الحرام لا بقصد الزيارة، بل لهدف التجارة والتجارة الممنوعة التي كان يدسها في «كشار» أمه العجوز التي لا تدري شيئاً، وآخر من الحجاج لغّم بها كرسي أمه المتحرك الذي كان يدفعه، وهو أكثر حرصاً عليه من حرصه على أمه، حتى كاد المريب الحاج أن يقول خذوني، وبعض المهربين الأشقياء لا يتورع أن يضع المخدرات في لعبة بيد طفلته الصغيرة، حتى الحيوانات الأليفة المسافرة في قفص خاص مبرد، وتذكرة خاصة، وتأمين خاص، وشهادة صحية لم تخل من تحميلها بمصائب البشر، وجشع نفوسهم الساعية للمال بأي طريقة، وكثيراً ما يتم ضبط شحنات الماشية المستوردة بكميات كبيرة، حيث يلجأ المهربون إلى حشو بطونها ببالونات صغيرة يستفيدون من بيع لحومها، وما تحمله من بالونات تفجير، وهناك من يكسر يده ويشحذ عليها، ولكن الأهم من الشحاذة أن يضع عليها جبيرة من الجبس، لكن بدل من مادة الجبس يصنعها من الكوكايين والصمغ، أما أغرب مهرب يمكن أن يخطر على بال بشر، نظراً لكم النذالة التي تحيط بالموضوع، فقد حشا جثة أبيه الميت بالمخدرات، ونقل نعشه بالطائرة متجهاً لتنفيذ وصية أبيه - كما كان يقول- ليدفنها بعيداً عن قريته مسقط رأسه إلى جزيرة سياحية في عرض البحر، تعج بالسياح صيفاً وشتاء، المجازفون لا يتوانون في أن يبتكروا كل حين حيلة أو وسيلة للهرب والتهريب، لكن رجال الجمارك والأمن لهم بالمرصاد، وهي مناسبة لنحييهم في كل مكان على دورهم وجهدهم وجهادهم، وتفاني كثير منهم في القبض على تجار السم والموت، ولا يضرهم أن تكون بينهم نفوس آثمة، وضمائر ميتة ومرتشية، فهم يعملون بجهدين؛ جهد مقاومة الإغواء، وجهد دفع الموت! amood8@yahoo.com