الأحد الماضي أخذني الهوى إلى السينما، وهناك في صالة العرض حضرت الفيلم الملحمي “آنا كارنينا”، المأخوذ بالاسم نفسه عن رواية الروائي الروسي الكبير تولستوي (1828 ـ 1910)، والتي نفذت كفيلم لمرات عديدة.. وهناك ما زالت “آنا” تصيبني بالانبهار، أمام الشغف الجبار في العشق، والرواح التي تحملها، حيث القدرة على المكاشفة والتحدي، القدرة على الاعتراف والبوح. “آنا” (قامت بدورها كيرا نايتلي)، المتزوجة من رجل دولة في الإمبراطورية الروسية (القرن التاسع عشر)، ولديها طفل في أعوامه العشرة الأولى، لم تكن لعوباً ولا ضعيفة، إلا أن اللحظة التي تقع عيناها في عين الشاب الوسيم الكونت، والضابط في السلك العسكري الروسي، “فرونسكي”، (يقوم بدوره آرون جونسون)، وهما في القطار، تنقلب فيها حياتها وحياته رأساً على عقب. لتتصاعد الأحداث الدرامية في الفيلم الآسر في عرضه، حيث يتداخل المسرح والسينما والموسيقى والرقص بشكل هارموني فاتن، يجسد عظمة زمن ولى من الإمبراطورية الروسية.. الشاب يتخلى عن خطيبته، و”آنا” تضع حياة ومنصب زوجها على المحك، ويمضى الاثنان غير مكترثين بأحد، سوى ذلك الحب الذي تسلل إلى قلبيهما، ولم يكن لديهما بد من مداراته أو اخفائه أو صده، روحان التقيتا، وقلبان تحاضنا، وجسدان تجسد الشغف فيهما إلى حدوده القصوى. وبذلك خلفا وراءهما ألماً، ألم الزوج الذي لم يتنازل عن “آنا”، وألم الخطيبة التي تزوجت برجل آخر.. ولكليهما أيضا “آنا” وعشيقها سكن الألم، حين دبت فوضى الغيرة والشك. قدم الفيلم محاكمة أخلاقية لهذا الحب المحرم في العرف الاجتماعي والديني، من خلال نبذ المجتمع لهما، ولشخصية “آنا” تحديداً، حيث حرمها الزوج من الطلاق، فيما قلبها ظل معلقاً بعشيقها الذي لم تستطع فك الارتباط به. كما قدم في الوقت نفسه قوة الحب، حين يسكن القلب، ويتمادى في تجلياته الكبرى، حين يكون متبادلاً وعصياً على الكسر أو السقوط. كما قدم الفيلم (الرواية) أشكالاً متعددة للحب، عبر الشخصيات في الفيلم، والمحور الذي تدور فيه، أشكال تضع المشاهد أمام حيرة في التمييز بين الصواب والخطأ، حين يهوى القلب وتُتَيم الروح. وفي خضم ذلك النبذ الاجتماعي الذي تتعرض له “آنا”، تسأل زوجة شقيقها عن ما إذا كانت في حبها هذا على صواب أم خطأ؟!، فترد زوجة الشقيق “أنه الحب”، وعندما تتمادى “آنا” في سؤالها، وتقول لها “هل كنت ستفعلين ما فعلت لو حدث لك هذا الحب؟”، تجيب زوجة الشقيق بنعم، “لكن لم يتقدم إليّ من يطلب هذا الحب”. “آنا” افتتن قلبها في القطار، لكن في الآن نفسه فقدت حياتها أمام القطار، حين لم يكن لها بد من الخروج من أوجاع الحب، سوى بالقفز أمام القطار، لتغادر تاركة إحدى روائع تولستوي التي كتبها منذ عشرات السنين تحيا إلى يومنا هذا، وتثير الاسئلة ذاتها حول مفهوم الحب والتسامح.. الخطيئة والفضيلة. سعد جمعة | saad.alhabshi@admedia.ae