كان واضحاً بعد أقل من شهر من تسلم الإخوان المسلمين السلطة في مصر، وذلك عبر شكل ترتيب بعض الأمور والخيارات، بل وصيغ الكلام والعبارات المُتَّكأ عليها من خلال مَن هم في إدارة السلطة أو حواشيها في شتى وسائل الإعلام، خصوصاً ما يسمى بكتائب الإنترنت وأيضاً من خلال تشكيل لجنة الدستور...، وطريقة تعامل الإخوان كحُكم ومعارضة في الوقت نفسه أن الأمر محاولة لا تمت بالفهم الخاص الجديد للثورة في مصر على أنها مجتمع مُنْهَك ينتقل من العيش في ضيق إداري للسياسة، إلى بحبوحة سياسية حياتية، وهذا ما كان سيجلب لمصر النموذج المُنَادى به سلفاً ضد طرق الحُكم السابقة، من الإخوان وكل القوى السياسية الأخرى، والأهم؛ من جموع الناس، اعتباراً لأن القوى السياسية ذائبة في الجموع، وليست فِرَقاً ماسونية. إنما ما ظهر - وقد كان معروفاً - أن السلوك السياسي باستخدام اللا الميكافيلية قد تجاوز حكام مصر السابقين الذين كانت دكتاتوريتهم الساذجة نظامية واضحة، ووريثة مجتمع تقاليد سياسية وشعبية قديمة. ومن هنا اتضح أن الإخوان استحوذوا على فكرة الفرصة التاريخية للفرصة الدينية الأشمل المزعومة، كما هو ظاهر الآن في كل التحركات الإسلاموية المتعصبة في العالم العربي كله، ولم يلتفتوا إلى فهم فكرة الحراك التاريخي، وهذا ما يثبت عدم الحنكة الإنسانية في فهم الظرف، بقدر ما أظهروا الإتكاء على عصبية الشريعة، كحقيقة وحجة، اعتماداً على أغلبية شعب متدين بفطرة أوعى من المهمة الدينية التكفيرية، وقد أخل ذلك بفكرة العقد الاجتماعي الأعم، تناسياً لإنسان الجغرافيا والتركيبة المصرية، وتناسياً للوضع العالمي الذي أصبح وضع كرة أرضية، وليس وضع إمبرياليات مهما تغولت على الآخر، ففي الأخير ومنذ قرن تتحول قوانين العالم الكلاسيكية من النظرة القديمة لإدارة الحياة؛ إلى شأن رؤيوي مختلف بات جلياً حضوره. لقد بدت آلية عمل الإخوان أشبه بلعبة سياسية تشبه لعب الأطفال حين يتمثلون أساتذتهم السيئين قائمين بأداء الدور نفسه انتقاماً. أدى هذا إلى خسران أكبر لقضية إصلاح اجتماعي ولو بدافع الشريعة المزعومة من خلال تفسير فقهي متراجع عن الحال الآنية والمتغيرة. لم يفهم الإخوان أنه بالوضع المصري الحالي، أو العربي أو العالمي يكون الصراع على “لا سلطة”، أياً كانت نوعية جهادهم الفقهي الضيق، وأياً كانت الاتفاقات الدولية التي أبرموها بسعي لمواكبتها أو القفز عليها. ولا يجوز حماية ثورة، أو لنقل تغيير بمؤهلات ديكتاتورية، ولا يجوز الانتقام من ماضٍ ظالم في حاضر انخلع جزء كبير منه عنه، حتى من جهة الظالم القديم نفسه. إن للتعصب الديني عربياً أزمة بين حداثة واقع واستبداد ماضوي، وكل ما يحتاج إليه نظام الحكم هو الحد الأدنى من كاريزمة الحضور الإداري الفاعل، وحتى لو كان الحاكم متديناً أشد التدين ومتعصباً، فليس عليه إلا أن تكون علاماته الدينية الداخلية والخارجية بنتاً للحياة. إنما ما يحدث في مصر الآن يجعل من الإخوان مجرمي حرب بصفتين: فصيل إرهابي، ومُحتل. amzf@live.com