اليوم الذي لا يملك لغة أخرى غير اللغة الأم، يعد مهيض الجناح، وينقصه الكثير في التواصل المعرفي، ويصعب تطوير قدراته الشخصية والمهنية. أقول هذا بعد أن حاولت مع غيري البحث عن موضوع معين، ولنقل مثلاً عن تضخم الطحال في اللغات التالية: العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية للمقارنة، ومعرفة موقع “العربية” على الأجهزة الإلكترونية، وشبكة التواصل العنكبوتية، ومدى جاهزيتها للمعلومة في المرحلة الإلكترونية، فوجدت “العربية” لغة خجولة ومستحية ومنقبة، وتتوجس من الخوض في المحرمات النصية، بداعٍ أو من دون داعٍ، بل إنها تتربص من أي كلمة قد تكون تخدش الحياء، ولو كانت تخص معضلة طبية، حتى أن بعض المواقع محظورة لتشابه معاني الكلمات فيها، وإيحاءاتها التي يتوهم أنها جنسية أو دينية، بل إن بعض المواقع أؤكد أنها محظورة لورود سطر كهذا: “د. سام طبيب أمراض تناسلية أو ورود كلمة جنسية ولو كانت تعود للهوية”. نعود لتضخم الطحال في اللغات الأخرى، المواقع فيها معظمها علمية، تدخل في صلب الموضوع مباشرة، وتناقشه من جوانبه كافة، أعراضه ومسبباته، الأدوية التي ينصح بها، الأطباء المتخصصون في مناطق العالم، والأسئلة التي يمكن أن تخطر للسائل أو تدور في ذهنه حول هذه العلة، والإجابات عنها، مع رسوم بيانية وصور توضيحية وخلافه، ولكم أن تتصوروا الحال التي آلت إليها اللغة العربية، وجرم أصحابها المتمكنين في إذلالها، وتحجيبها وتقزيمها. ففي البداية، كل ما هو مكتوب عن تضخم الطحال مصدره مواقع و”دردشات” لا يمكن الاعتماد عليه، وكم من المعلومات المغالطة، هذا غير عن الديباجة والتقديم والتوطئة والتمهيد الذي بلا داعٍ، كأن يبتدئ موقع بالدعاء والسور التي لا تخص الموضوع من قبل ولا من بعد أو يظهر واحد ويؤكد لك أنه ذهب إلى مستشفى بعينه، وطبيب بعينه، ولم يستفد من علاجهما، لولا الدعاء، والوصفات العشبية التي اتبعها. ولكم كذلك أن تتصوروا لو كان الموضوع لا يخص تضخم الطحال، ويخص التشريح الجسدي للإنسان أو رسوماً تخص أعضاء الجسد الحساسة، هذه تكون خالية من الصور التوضيحية أو الرسوم أو دلالة حتى لو كان تمثالاً من حجر، وكأن الناس جوعى وعطشى لتلك الشهوانية التي يمكن أن تضيفها الصورة على مخيالهم، وهناك بعض المشاركين حين يتطرقون لأي مرض يستعيذون من الشيطان، ويعدون المرض بسبب وساوسه أو عقاب لآثام الإنسان، بعيداً عن أي حس علمي أو منطق فكري، والبعض الآخر يضع خلفيات ساذجة لأناشيد تحض على التقوى. الشاهد أن الموضوع المراد البحث عنه بـ”العربية” يصبح هباءً منثوراً، ويضيع بين أهواء فلان، وتوجهات فلان، وغياب المتخصصين، ودخول الفضوليين، وكثر الحشو والتذهيب والتزيين، والأدهى من ذلك أنه يمكن أن يدخل واحد، فيحجب معلومة بتدخله، ويضع مغلوطة ليورط غيره.. مسكينة حال “العربية” إلكترونياً! amood8@yahoo.com