“أكره المناسبات الأيدلوجية”، هكذا علق صديقي المثقف العربي حين أخبرته أني كنت في إجازة اليوم الوطني في الثاني من ديسمبر، في الوقع حتى أنا أكره المناسبات الأيدولوجية، لكن أردت أن أقول له إن الوضع هنا مختلف، إن المناسبة ليست أيدولوجية حقا لأنها تخص الإمارات، والإمارات ليست وطناً أيدولوجياً، ليست فكرة سياسية، إنها مثل بيت، حدودنا جدران بيتنا، والحاكم سيف لنا لا علينا. لكن أحسست لو قلت ذلك ربما لن يفهمني، ويظنني مجرد شوفينية متعصبة، فاخترت عدم التعليق حينها. يميل المثقف المتخلص من جراثيم التسلق والتملق للوقوف في الجهة الأخرى من السُلطة، ليكون في صف الشعب، فهو لا يحابي ولا تعنيه السُلطة بكل مستوياتها، ويوصف كل من يقف في صف الحاكم بأنه بوق من أبواق السلطان لا ينطق إلا بالتأييد والمديح والتبجيل رغم الفساد وبؤس الحال بين صفوف الشعب المطحون المعجون بعرق الكد المالح المر الذي توصد دونه أبواب كثيرة. فيكون عوناً للحاكم على المحكوم ويسقط من أعين الناس مهما علا شأنه. لذلك أتفهم تعليق صديقي الذي أعياه احتكار الأنظمة الحاكمة للأوطان كأنها عزبة خاصة. ولكن الحقيقة أن الإمارات حكاية أخرى. فواقع الحال هنا يقول إنك لا يمكن إلا أن تكون في صف الحاكم إذا أردت أن تكون في صف الشعب. ذلك لأنك لو صعدت للحاكم لن تجده يجلس هناك في برجه العاجي على عرشه الذهبي غير آبه بغيره، سيكون قد خرج واختلط بصفوف الشعب يتلمس احتياجاتهم ويلبيها. هذه حقيقة يصعب استيعابها لمن لم يعشها ويختبرها بنفسه فيلمسها ويصدقها. في الثاني من نوفمبر كانت ذكرى وفاة مؤسس هذه الدولة. لم يكن كأي قائد، كان أبا، وأعرف كم يكره المثقفون العرب فكرة “الحاكم الأب” لأنهم خبروه بصورته السلبية المتسلطة التي لا تثق بقدرة الابن على الانطلاق ولا تؤمن بحقه في الحرية، التي تريد أن تخنق الابن وتسيطر عليه وتبقيه تحت جناحها ضعيفا مكسورا محتاجا لكرمها حين يعنّ لها الكرم. لم يختبروا معنى “الأب الحاكم”، الذي يبني لأولاده ويدعمهم ويرعاهم ويكتشف مواطن قوتهم ويفخر بهم ويعينهم على تخطي نقاط ضعفهم ويدفعهم دفعا ليواجهوا العالم بثقة، الأب الذي لا ينام حتى يتأكد أن جميع أبنائه دافئ شبعان وهانئ. ولم يكن زايد إلا الأب الحاكم، وكذلك اليوم أبناؤه. كان رمضان، بعد الإفطار جاء الخبر العاجل على لسان مذيع لم يغالب دمعته. قال رحل زايد. سقطنا في هوّة الصدمة. قيل إنه أوصى لو مات نهار رمضان ألا يعلنوا وفاته إلا بعد الإفطار، حتى وهو يحتضر كان يخشى أن يجتمع على شعبه جوع الصيام وفجيعة موته. منذ بداية الربيع العربي صار الكل يتحدث عن طرف الصراع: مظلوم يرغب في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وهو الشعب الثائر، وظالم فاسد مترهل لا يأبه بمعاناة البشر ولا يهمه سوى فرد سلطته وترسيخها وهو النظام الحاكم. وانتشرت الفكرة في الأرض العربية، حتى بدأت أصوات تهمهم وتهمس وتشير إلينا ظناً أن المقال يصلح لأي مقام. دون أن يدركوا أننا في الواقع نقف على ضفة واحدة، طرفا واحدا لا طرفان، في صف الشعب. Mariam_alsaedi@hotmail.com