منذ هبت رياح الثورات على بلاد العرب، وانتهت حقبة حكومات وأنظمة ما كان لها من أهمية سوى خدمة مصالح غير مصالح شعوبها، بدليل ما رشح عن الثورات من أخبار وحكايات جعلت الرجال يبكون في شوارع العواصم مرددين “لقد هرمنا بانتظار هذه اللحظة التاريخية”، لكن اللحظة التاريخية التي أتت بالحرية والكرامة، جاءت أيضاً بعناوين سياسية كبرى ما كان أحد يتوقعها، لقد أطاحت الثورات بآمال الليبراليين في الوصول لمراكز صنع القرار، مفسحة الطريق واسعاً لأبطال جدد سيتسيدون المسرح في المرحلة المقبلة. الإسلاميون الذين بزغ نجمهم السياسي ساطعاً في المغرب وتونس وليبيا ومصر تحديداً، فاجأوا العالم على أكثر من صعيد، وأصبحوا الرقم الصعب في اللعبة الديمقراطية التي قيل طويلاً بأنهم على تنافر فكري مع طروحاتها على اعتبار أنها نسق سياسي غربي، وكل ما كان صناعة غربية فهو ـ كما قيل ـ بالنسبة للإسلاميين رجس من عمل الشيطان لا يقربونه أبداً، لأن الأخذ به سيكون بوابة للارتماء في أحضان الغرب الصانع والمصدر والراعي الرئيس للديمقراطية وللدمقرطة، وعليه فكيف جاء الإسلاميون إذن؟ لقد تسيد الإسلاميون المشهد في مصر في سابقة لم يعش المصريون تفاصيلها من قبل، كما حدثت في انتخابات مجلس الشعب والآن مجلس الشورى، مشاركة شعبية غير مسبوقة تاريخياً ونزاهة شهدت بها لجان ومنظمات المراقبة القانونية، وانخفاض شواهد الفساد والمال السياسي والبلطجة أثناء سير الانتخابات، ومع ذلك فاز الإسلاميون ولم تحقق الأحزاب الليبرالية وشباب الثورة نتائج يعتد بها، وهنا يضع الإسلاميون أقدامهم على أول الطريق الديمقراطي غربي الصياغة والصناعة، مؤسسين الخطوة الأولى في طريق استيعابهم في المجتمع الدولي لاحقاً: الشفافية أثناء سير العملية الديمقراطية. تلت تلك النتائج التي لا تعني سوى الانتصار الساحق، إعلانات وتصريحات بالفم “الملآن” من جانب رموز وشخصيات كبيرة في كل التيارات الإسلامية في تونس (راشد الغنوشي) وفي المغرب (بنكيران) وفي مصر (أبو الفتوح وغيره)، التصريحات اتفقت على أن الإسلاميين غير معنيين في هذه المرحلة بفرض ارتداء الحجاب أو منع الخمور أو الاحتشام على الشواطيء أو التدخل في السياحة والإعلام، ولكنهم معنيون بالدرجة الأولى بإقالة الاقتصادات في بلاد الثورات من عثرتها المزمنة، الاقتصاد الذي قيل كثيرا إن الإسلاميين لا تجربة عميقة لهم فيه هو والسياسة سيكونان شغل الإسلاميين الشاغل وليس القضية الفلسطينية أو الحجاب أو.. الليبيون أعلنوا أكثر من مرة أنه لا مشكلة لديهم في علاقات مع إسرائيل، والتونسيون كذلك أما إخوان مصر فلن يشذوا عن القاعدة حتى لا يشذوا في النار، والنار هنا هي نار الحصار والمقاطعة الدولية التي وجدت حماس نفسها فيها للأسباب التي تحاشاها الإسلاميون الجدد، وعليه فإن كل هذه المقدمات ستقود للنتيجة الحتمية التي عرضت على كل شاشات العالم: رموز الإخوان المسلمين في منتدى دافوس، حيث يجتمع عرابو الاقتصاد في العالم ومعهم وقف عبدالمنعم أبو الفتوح من مصر، وبنكيران من المغرب، وراشد الغنوشي وحماد الجبالي من تونس، ليتم تقديم هذه الرموز الإسلامية الكبيرة من خلال دافوس باعتبارهم شركاء الغرب وليسوا أعداءه أو مناهضيه. لقد خاطب الإخوان المسلمون نخبة الغرب الاقتصادية بخطاب آخر غير الذي قدموه طيلة قرن من الزمان، خطاب جديد عقلاني وبراجماتي بامتياز تبرأ من تطرف الأمس وحماسته.. فهل مازالت في الجعبة أوراق أخرى؟ لننتظر! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com