بعض الناس لا يحبون الحديث في السياسة أو الثقافة، يعتبرونه حديثاً ثقيلاً ومملاً وغير مناسب، إلا لبعض المثقفين وعموم السياسيين والذين لا عمل لهم، لكن هذا الرأي فيه بعض التجني، وفيه كثير من مخالفة الواقع، هكذا دار الحديث مع أحدهم، ففي حين أصر هو على أن القراء لا يميلون إلى قراءة المقالات السياسية والثقافية، كان إصراري كبيراً على أن الأمور لا تتخذ هذا الشكل العام أو المطلق، فلا يجوز تعميم هذا الكلام على كل القراء، أو على كل المجتمعات.
فمن خلال متابعتي الكثيفة للإعلام المصري مثلاً فما بعد ثورة 25 يناير 2010، تيقنت أن الناس تتابع من الإعلام ما يعبر عنها، وعن همومها وانشغالاتها، أياً كانت تلك الهموم، وأياً كان حجم وشكل تلك الانشغالات، فأوضاع الشارع المصري تشكل أهم الانشغالات بالنسبة لأهل مصر، بينما احتفالات مهرجان السينما يعتبر انشغالاً مهماً لأهل مدينة كان الفرنسية مثلًا، إن الإعلام على هوى زمان أهله، وليس العكس !!
لقد قال كثيرون مراراً، إن إعلامنا المحلي عليه أن يلتفت لهذه المعضلة التي لطالما حاول الخروج من مأزقها، لكنه إما أن يتوقف فلا يكمل الخطة، وإما أن يخلط الحابل بالنابل بلا بوصلة حقيقية، فبرامج الحوارات السياسية والاجتماعية المعروفة عالمياً ببرامج “ التوك شو “ يتوجب أن تناقش أمور المجتمع الذي تبث منه القناة، أو المحطة خاصة حين يكون البرنامج محلياً صرفاً، أي أن المحطة المحلية هي من ينتجه ويدفع راتب المذيع أو المذيعة فيه، كما ويتكفل بنفقات الضيوف من الألف إلى الياء، إضافة إلى قيام قسم الإنتاج، أو الإخراج في المحطة بكل العمليات الفنية الأخرى.
إذن ألا يكون من الأولى أن تخصص نسبة محسوبة من ضمن حلقات هذا النوع من البرامج للقضايا الاجتماعية والسياسية المحلية ؟ ومن باب أولى ألا يكون من الطبيعي والمنطقي أن يكون الجزء الأكبر من الضيوف - وإن تنازلنا قلنا إن جزءاً منهم على الأقل - هم من أهل البلد أو المجتمع على قاعدة “أهل مكة أدرى بشعابها”، وإن استعنا بمثل مصري دارج وظريف بعض الشيء، قلنا إن “ جحا أولى بلحم ثوره “؟ مع تسليمنا بأن الاهتمام بشؤون المجتمعات الأخرى، والانفتاح على قضايا العالم واستطلاع رأي أهل تلك المجتمعات من أهل الحل والعقد والرأي والمعرفة، حول ما يحدث عندهم أمر مستحب ومطلوب ومفيد، بشرط أن يتوازى ذلك مع اهتمامنا بشؤوننا صغرت هذه الشؤون أم كبرت فهي في نهاية الأمر تعني أهل المجتمع وتهم أهل البلد، وتعبر عن تعاطيهم وردات فعلهم تجاه ما يحدث لهم، وما يحدثونه هم من تأثيرات في كل ما يجري تحت جسور حياتهم اليومية !
إن ثورة التكنولوجيا والثورة الرقمية في عالم تقنيات ووسائل الاتصال قدمت لكل مواطني العالم فرصة أن يكونوا صحفيين وإعلاميين بكل بساطة عبر توجه إعلام المواطن، وأن يؤسسوا صحفهم وتلفزيوناتهم الخاصة عبر المنتديات والمدونات، ومواقع الفيسبوك وتويتر وغيرها، وكذلك عبر موقع اليوتيوب، كما أتاحت لهم وببساطة أن يتنقلوا وهم في أسرتهم بين قنوات العالم التلفزيونية وصحفه كلها بضغطة زر محققة بذلك مبدأ حرية الحصول على المعلومات، فلماذا يتجاهل إعلامنا كل هذه الحقيقة مصراً على التعاطي مع قضايانا بمنطق التجاهل، وعدم الالتفات بالشكل المطلوب على أساس”اذهب بعيداً تبقى سالماً“ ؟!


ayya-222@hotmail.com