ما تعيشه مصر مرعب جداً، فلم يمر في تاريخ مصر أيام سوداء كهذه، المصريون يقتتلون مع بعضهم بعضاً، وهذا لم يحدث في كل التاريخ المصري”، هذه العبارة تكررت على مسمعي كثيراً في الأيام الأخيرة الماضية، منذ أن أعلن الرئيس المصري محمد مرسي عن إعلانه الدستوري، ومنذ اجتمعت اللجنة الدستورية بشكل مريب لتسرع في إصدار الدستور الذي أعلن الرئيس أنه سيعرضه على الشعب المصري في استفتاء عام في محاولة لامتصاص نقمة الشارع لا أكثر، ثم تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي في شوارع مصر، معلنة رفضها لكل مبادرات مؤسسة الرئاسة ما لم يسحب “مرسي” إعلانه ودستوره ليعيد الأمور إلى سيرها القانوني الذي يقول أهل مصر إن الرئيس تجاوزه بشكل غير مقبول، بينما يقول مرسي إن الذين يحركون الشارع يرفضون مبادراته لمجرد الرفض رغبة في إفشال رئاسة مرسي وسيطرة الإخوان المسلمين!!
أولاً، فإن حركة الشارع المصري - وإن كان في جزء من دهاليزها تحركه مصالح بعينها - تدل على حيوية مصر وشعبها ومثقفيها بلا أدنى شك، فلا تخافوا على مصر، نعم أحبوها واحرصوا على أمنها وأمانها وسلمها وسلامها، لكن ثقوا في حكمة أبناء أرض الكنانة، ففيها الكثير من العقلاء والحكماء والوطنيون المخلصون الذين لا يظهرون ربما في المشهد والصورة التلفزيونية، لكنهم يتحركون على الأرض للملمة أطراف المشكلة وإطفاء الحرائق التي يخلفها الغوغاء والجهلاء وأصحاب المصالح ومبتدئو السياسة، مصر تشتعل، لكنها لن تحترق، ومصر تثور ولن تعود لما كان من أمرها قبل ثورة 25 يناير 2010، على الأقل فيما يخص ثقافة القبول بأمر الرئاسة الواقع والجائر!
ليس صحيحاً أن المصريين لم يقتتلوا فيما بينهم في كل تاريخهم، فقد قال شيخ المؤرخين المصريين تقي الدين المقريزي، إن في سنوات القحط المأساوية زمن الدولة الفاطمية كان بعض المصريين يستدرجون بعض الناس كي يأكلوا جثثهم من شدة الجوع، وحدث في سنوات ليست ببعيدة أن فر المصريون من بلادهم حين استولت السلطة على ممتلكاتهم ومقاطعاتهم ووزعتها على الفلاحين باسم التأميم، وكره المصريون بعضهم بعضاً عندما جاع الفقراء وسكنوا المقابر والعشوائيات وثاروا على سياسات الحكومة الظالمة في الثمانينيات بسبب ارتفاع الأسعار فسمى شرفاؤها تلك الانتفاضة بثورة الجوعى وسماها النظام وأعوانه والمترفون بثورة الحرامية، فانقسم المصريون - ظلما - إلى شرفاء وحرامية، ومع ذلك فقد مضت كل تلك الأحداث ولم يزد المصريون ظلم الحكم وديكتاتوريات حكامهم إلا شراسة وتمسكاً بحقهم في الثورة والحياة الكريمة.
فهل حكم مصر اكثر طغيانا من فرعون أمر الناس بعبادته لأنه اعتبر نفسه ربهم الأعلى، وهل كانت السنوات السبع العجاف سهلة وبسيطة تلك التي عبرت سنوات حكم سيدنا يوسف على أرض مصر، وهل كان النهب المنظم لثروات وخيرات مصر على أيدي أسرة محمد علي أمراً بسيطاً، وهل كان الطغيان والديكتاتورية أمراً منسياً في تاريخ مصر الحديث؟ كل هذا حدث وأكثر منه سيحدث وسيمر وينتهي كأي زبد لا فائدة منه ووحدها مصر ستبقى في الأرض مغروسة كرمح صقيل إذا طلعت عليه الشمس أنار مفرق الشرق وإذا خيم الظلام ذكر العالم أن هناك بلداً لا تستقيم أحوال الدنيا إذا أسقط من حساباتها ورهاناتها، مصر المحروسة ستبقى محروسة، رغم الجراح والنزيف والصراخ والصراعات وحالات التشظي الاجتماعي المصطنعة والمفبركة. ستخرج مصر من أزمتها أكثر عافية بفضل وعي المصريين وحيوية الشارع المصري، وتلك التعاويذ والدعوات التي دعا بها رسل وأنبياء ليحفظ الله مصر، وليدخلها الجميع بإذن الله آمنين أبداً.


ayya-222@hotmail.com