قد تكون تذرع الأرض متفكراً بزاوية صغيرة في العالم يمكن أن تحزم لها حقائبك، فأوروبا تخشى برد مدنها، وازدحام أعياد الميلاد، وجنوب شرق آسيا بين مظاهرات وفيضانات، والمدن العربية أصبح لا يحتمل غليانها الذي يمكن أن يقطع طريق المطار بإشعال إطارات السيارات أو خطف من أجل الفدية لسياح خارج حسابات الطائفية أو مدن بدأت تتحجب وتلتحي، ومدن تبكي رماد خرائبها، تكون ساهياً، ويأتيك خبر أن ثمة قبلة جميلة، وقطعة من الفردوس والبحر والصخر، تقبع في المحيط الهندي، غالباً ما تنتظر زواراً جدداً يفيئون إليها، فالحياة فيها ما زالت على بساطتها، والغابات الخضراء يمكن لأي نفة مطر أن تزاغيها، فيهيم عقلك في جزر كثيرة في ذلك المحيط الأزرق، ويذكّرونك أنها سيشيل دونما أن تتعب رأسك، فلا يكون جوابك على طرف لسانك كمن سقاك عسلاً على الريق، خاصة أنها رحلة لا تحتاج إلى تذكرة سفر، ولا سمة زيارة للذين لا يعرفون معناها هي “الفيزا”، وحقيبة ظهر قد تفي بالغرض، وربما وزار “فتني” ومقصر بقماش “شربت” ولا أحد عنك ناشد يا بن راشد، ورغم أنني من عشاق الجزر، إلا أنني لم أقدر أن أتبين سيشيل من خلال التصور المسبق، بدءاً من ذلك المطار في مدينة فيكتوريا العاصمة الذي لا يشبهه مطار حتى في جزر الكاريبي، يمكن أن تشبهه بميناء صغير بدائي أو فرضة على السيف مع “كونتينرات” معدة للشحن أو مكتب جمركي، وانتهاء بالطرق التي تشبه طرقاً للخيول والعربات المجرورة، لا السيارات التي مقودها على اليمين على الطريقة الإنجليزية، التي تسبب لي الصداع والهدام واللوعة، هذه الطرق التي تقطع الغابات والأحراش، وتصعد جبالاً، وتنزل أودية، وتماس صخوراً جرانيتية من الضيق بحيث لا تستطيع إلا أن تحبس أنفاسك إذا ما مر بك “باص” أزرق، ليس من حرق الديزل، بل لأن أي غلطة بسيطة يمكن أن تستقر بين الأشجار أو قعر الهاوية، لأنها دون حواجز تمنع عنك أقل الضرر، الغريب أنني لم أشاهد إشارة مرور، وقيل لي إن هناك واحدة أصبحت مكاناً يتصور عنده السياح، لكن مقابل ذلك ثمة بذخ في فنادقها، وثمة طهارة في بحرها، وثمة طيبة وبساطة في أناسها، والأجمل أنها غير قابلة للازدحام، فالسيارات معدودة، والسكان معدودون، والبساطة والفطرة الإنسانية الأولى تسيّر الجميع، سيشيل وحدها يمكن أن تسرقك من العالم، بحيث تنسى نفسك، هي جميلة لأيام لتلتقط فيها أنفاسك المتعبة، وروحك المبعثرة بين هنا وهناك، وهذا وذاك، يمكنها أن تطبع إقامتك بالفرح والبراءة، وهدأة النفس، وسكون الحواس، ما جعلني أتوجس فيها، وأتربص منها، تلك الطرق الضيقة الهاوية منها، والمطلاع، والتي بلا سياج، والحافلات العامة الزرقاء التي تلاقيك في المنعطفات، وطبق أجنحة الخفّاش!


amood8@yahoo.com