اعترض أحد القراء العرب على فكرة مقال الأمس، معتبرا أن تصنيف دبي وأبوظبي، باعتبارهما أفضل مدن الشرق الاوسط على الإطلاق، من حيث جودة الخدمات ومستوى المعيشة، معتبرا أن هذا التصنيف يظلم دولا أكثر حضارة وعراقة وتميزا مثل بيروت واسطنبول وغيرها، وأن اعتبار الحداثة والأبراج والمراكز التجارية، معيارا للأفضلية يكرس الفلسفة المادية التي تعلي قيم السوق وتفرغ الإنسان والمدينة من مضامين أكثر أهمية كالبعد الاجتماعي للمدينة وعمق العلاقات الإنسانية وتناغم أطياف المجتمع ووضوح الهوية الثقافية للمكان و.... الخ.
وهنا فلا بد من توضيح بعض الأمور ليكون الحوار موضوعيا قدر الإمكان، فالتصنيف الذي وضع دبي وأبوظبي على قائمة مدن الشرق الأوسط جاء عبر معايير معتمدة من قبل مؤسسة اقتصادية عالمية، ووفق مؤشر عالمي أخضع 221 مدينة في العالم للفحص للتأكد من توافر أو عدم توافر المعايير التي تحقق جودة معيشة الفرد ومدى توافر الخدمات الحياتية وجودتها وتطورها وسلاسة الحصول عليها، كشبكة الطرق والمواصلات الحديثة وبنية الاتصالات الحديثة بشكل عام ومستوى دخول الأفراد وإنجاز المعاملات ومرونتها والبيروقراطية الإدارية أو عدمها و... الخ .
لم يتطرق المؤشر الى البعد الحضاري ووجود الآثار والمتاحف وقدم المدينة تاريخيا؛ لأننا في هذه الحالة لا يمكننا بأية حال تجاوز مدن في عراقة القاهرة ودمشق واسطنبول وبيروت وغيرها كثير بلا شك، لكن المؤشر كان دقيقا في معاييره التي اعتمدها، والتي لا يمكن أن تتفوق فيها أية مدينة شرق أوسطية على مدن حديثة جدا ومتطورة وفي غاية الثراء والمعاصرة كدبي وأبوظبي.
مع كل ذلك، فهذه المدن تملك بعدها الحضاري الخاص بها برغم تيار العولمة والحداثة الطاغي فيها وعليها، كما أن حضارات عريقة قد نشأت على أراضيها تشهد عليها حضارة أم النار وآثار العين وبعض مناطق دبي، إضافة إلى وجود توجه ثقافي ضخم تعبر عنه معارض الكتب والمسارح ومهرجانات الشعر والسينما وجوائز الصحافة والأدب وكثير مما لا يتسع المقام لحصره، ما ينفي عن هاتين المدينتين حصرهما في إطار ثقافة السوق والاستهلاك والعولمة فقط، وما يجعل أي عربي فخوراً بهما حتماً.


ayya-222@hotmail.com