تحدث أشياء كثيرة في حياتنا، وتمر من دون أن نلتفت قليلاً، ونتساءل كيف حدثت ولماذا؟، حيث دائماً يغيب هذا التساؤل الذي عند طرحه يمكن للكثير من الأمور أن تكون واضحة وقابلة لأن تعاد إلى مشهدها الأجمل، وأن تسمو، وتكون أكثر بهاءً وتحققاً؛ فمثلاً يمكن أن نتساءل لماذا يذبل الورد سريعاً، تنتهي الصداقات، يموت الحب؟ لماذا لا يشعر هؤلاء الذين ذبلت صداقاتهم ومات حبهم، باللحظات الجميلة في حياتهم، بقيمة اليوم ومتعة الأشياء؟ وهنا يمكن الإجابة بأن ذلك يحدث لأنهم لا يعتنون.. لا يعتنون بالوردة وبالصداقات والحب واللحظة الجميلة، ولا باليوم، ولا بالمتعة، يخدشون كل جميل بعبوسهم ولومهم واستقبالهم غير الفرح للحياة؛ فيما هم يعتقدون أنهم بذلك يعتنون، فيما الحقيقة هم يمزقون اللوحة، ويشوهون المشهد. صحيح كل شيء إلى زوال، كل شيء يفنى، ولكن هناك زمناً بين ولادة الأشياء وموتها، وهذا الزمن هو الذي نقرر فيه نحن في كثير من الأحيان أن يطول أو يقصر، فعندما نحب الورد، نقوم بالاعتناء به، نقوم بسقايته ولمسه بحنان، ووضعه في مزهرية جميلة، ونعرضه إلى ضوء يناسبه. وكذلك الصداقة تنمو حين نحمل في داخلنا قيمها الجميلة، ونشعر بجمال الأصدقاء حتى وهم في أقصى الأرض أو قرب الطاولة، ولا يمكن للصمت الطويل أن يميتها. وهو الحب أيضاً يعيش العمر كله ولا يخفت طالما نعتني به، بالعهود الصادقة، والسعي الدائم إلى تغيير وجه الأيام الكئيبة، بالكلام والتواصل الجميلين، وبالإيمان بقيمة الحب وقدرته الكبيرة على تفتيت الحزن والكدر والضيق، قدرته الكبيرة على دحر الفشل واليأس، قدرته الكبيرة على جعل العمر جميلًا وناصعاً. واللحظة أيضاً تبقى راسخة في الذاكرة كلما أمعنا في النعمة التي خصصت لنا، بالابتسامة التي على وجوهنا، اللحظة التي هي لنا وحدنا، فيما في مكان قريب أو بعيد، هناك من يعاني، وربما من يبكي؛ اللحظة يمكن أن تذهب بعيداً في الزمن وتغيب، وفي كثير من الأحيان لا تعود أبداً، ويكون النسيان حاضنها الأبدي، ولكن حين ندرك جمالها، وأن علينا أن نعيشها، تكون الذاكرة بيتها الأبدي. وهو اليوم أيضاً مع شروق الشمس حتى مغيبها، مع حلول الليل، ومع ضوء القمر، مع النجوم ونسيم الليل، يكون جميلاً عندما نعتني بتفاصيله، ونحدق في الصباح ببهجة، ونعتني ونعرف استخدام تفاصيل وجوهنا ببساطة وصدق، أن تكون روائح الطبيعة عطرنا الأحب، أن نرتقي في ليل البشر بحسنا، أن نعتني بالأذن، ونسمعها صوت البحر، وصوت الطير والموسيقى والهواء، أن نقول بلساننا كلاماً خفيفاً لطيفاً للأشياء وللناس، أن ننتقي الكلام ونعتني به. وهي المتعة تحدق في عيوننا وترقص مع بريقها والإحساس بها في احتساء الشاي، القهوة، والحليب الساخن؛ ترقص المتعة في دفء البيت، في الحوار مع الطفولة، في ساعات الشروق والغروب، في تأمل القمر بكل حالاته، والنجوم وهي ناصعة، المتعة في المشي، وفي الضحك في الكلام وفي الصمت. saad.alhabshi@admedia.ae