وهذه موشحة طريفة وشهيرة لابن زهر الحفيد يقول في مطلعها: صادني ولم يدر ما صادا شادن سبى الليث.. فانقادا واستخف بالشمس أو كادا يا له قد ضم بالغصن أزراه وبالحقف.. زناره الشادن وهو ولد الظبية إذا ترعرع واستغنى عن أمه، والحقف ما استطال واعوج من الرمل، أما الزنار فهو حزام يشده النصراني على وسطه تميزا له، وقد تندر على هذا المطلع بعض معاصريه ممن يحسدونه على مقامه وشهرته، فيروي بعض مؤرخي الأدب الأندلسي أنه “لما قال ابن زهر هذه الموشحة المشهورة قال أبو بكر بن الجد: لو سئل عما صاد لقال: “تيس بلحية حمراء” أما الشاعر فقد خرج على مألوف الغزل عندما جعل المحبوب هو الذي اصطاده، وأدل بنفسه واعتز بها عندما جعله شادنا غريرا لا يعرف قدر من وقع في شباكه، وهو ليث انقاد له حبا، بينما يروق له أن يضم أزرار ثوبه على قده المياس كالغصن، ويشد الزنار على وسطه. ويجسد لنا هذا المقطع ما شاع في المجتمع الأندلسي من التحرر نتيجة لاختلاط الطوائف بحيث لا يتحرج الشيخ الفقيه من التغزل في الفتاة النصرانية. أما تشبيه معاصره له بأنه “تيس بلحية حمراء” فهو صورة لروح الدعابة والمرح. على أن استخدام ضمير المذكر في الأبيات لا دلالة له على جنس من يتغزل فيه، فمن الممكن أن يكون صبيا أو فتاة، وربما تجاوز قصد التحديد إلى ما نظنه مجرد افتتان بالصبابة، خاصة لو تذكرنا ان ضمير المتكلم الذي ينطق به الشاعر لا يلبث المغني أو المغنية أن تنطق به، فلا يصبح ملكا للشاعر، بل يعود أيضا إلى المنشدين والمتلقين من الجنسين، ومن حقهما معا أن يعبرا عن ولعهما بالجنس الآخر كل حسب مقصده. ثم يقول في المقطع الثاني: لو أجاز حكمي عليه لاقترحت تقبيل نعليه لا أقول ألثم خديه أنا من يعظم والله مقداره ويلزم إكباره هنا نلمح بروز مظهر الفروسية في الموشحات، فالتذلل عند أقدام الحبيب يزيد من قدر الفارس. وقد انتشرت هذه النعمة في الشعر الأندلسي حتى تجاوزته إلى شعراء الترابادور وأصبحت من التقاليد الأوروبية الحميدة. ونلاحظ أن الفقيه الفيلسوف لا يتخلى عن اتخاذ موقف القاضي الذي يصدر الأحكام، لكنها أحكام عجيبة إذ تقترح تقبيل نعل المحبوب بدلا من لثم خديه، ثم يبرر ذلك بأنه نتيجة لتعظيم قدر المحبوب والتزام إجلاله وإكباره. ونلاحظ أن الوشاح قد سمح لنفسه في هذا المقطع والذي سبقه باختصار تفاعيل الشطر الأخير على اعتبار ما سبق أن أشرنا إليه من تحرر البنية الإيقاعية واعتمادها على توزيع التفاعيل طبقا للدلالة كما تأكد ذلك في شعر التفعيلية الحديث.