بترميم سوق القطارة يبرز فضاء آخر أمام محور التجديد، إلى جانب الكثير من الأمكنة في سائر المدن او في مدينة العين بالذات التي يتم ترميم مبانيها القديمة. فتلك المباني والتي رسم عليها التاريخ ملامحه تمثل شريحة كبيرة، فبعضها سلخت وهدمت بفعل التجديد وإعمال آلة الهدم فيها دون الالتفات الى عبق التاريخ وما يحمله من مخزون فكري وثقافي يفصح عنه أمام الأجيال وأمام الزائر الذي دائما ما يتوق الى ثقافة المكان والمتمثل في البناء والنقوش، وما تحمله الذاكرة من فواصل تاريخية مهمة أو محطات وشواهد ذات قيمة ولها جمالية، فمنها واحة النخيل بالعين، وقصر الجاهلي، ومسجد الشيخة سلامة.. كلها أمكنة لا يمكن لزائر القادم ان يتخطى بعيدا عنها أو يحيد عن مكوناتها ومورثوها الثقافي المهم. كانت مناسبة جميلة ان يتزامن افتتاح سوق القطارة ضمن بوتقة الاحتفالات بالعيد الوطني الحادي والأربعين، فالفرحة مقرونة بالفعل الناضج والرصين وليست بالإنفلات والفوضى العارمة التي ترسم خيوطها بداعي الفرح، فهذه المناسبات التراثية الجميلة أقدر على الفرح وأقدر على التعبير وخاصة ما يحمله السوق المرمم من إرث تاريخي يعود الى منتصف القرن العشرين. وكان لهيئة ابوظبي للسياحة والثقافة دورا بارزا في تجديده ورسم معالمه وإفراز المساحة المحيطة به ليحتضن كل الحرف اليدوية والفنون التقليدية والمعروضات الشعبية. ولم يكتف بذلك بل انه في القادم من الوقت خطط له ليكون ملتقى للفنون والثقافة وما تحمله من معرض كتب وفعاليات ترفيهية بنكهة التراث. هناك أيضا سوق العين القديم الذي كان الأوحد والأبرز بجانب بيت الضيافة وقلعة المربعة وبجانبه الشجرة الوارفة الظلال والتي تشبه شجرة الرولة بالشارقة. وقديما كانت محطة لسيارات التاكسي ومنها ينطلق المسافرون الى مدن الدولة الأخرى، فسوق العين من أهم الأسواق القديمة الفاعلة بالمدينة لكنه بحاجة ماسة للتجديد والترميم ليتماشى مع واحة النخيل المجاورة، فمحطة الحافلات باتت قديمة والأمل أن يقام لها متحف يعرّف بحركة الموصلات بالمدينة.. ويا ليت يعاد ترسيم هذه المنطقة وبأفكار مبتكرة لكي تصبح من جديد من أجمل الأماكن وأهمها كونها كانت إلى وقت قريب محورا مهما لأبناء العين وتحمل رائحة الأجداد ومورثوهم الثقافي وتحمل الكثير من الملامح والأنساق الجميلة المبهرة. العين مدينة الزهور والجمال، مدينة السحر والإبداع، ضربت بمورثها الثقافي نحو الأعماق، مدينة النخيل والواحات الخضراء المشرقة، مدينة الجمال والزهو، مدينة العلم اشارة لأول جامعة بالدولة وهي جامعة الإمارات العريقة، مدينة تحتضنها الجبال الشاهقة وتلفها الأوراق الخضراء، مدينة الأفلاج والينابيع والعيون المائية، مدينة تملي بالحاضر وتقيم احتفاء بالذاكرة.. ألا تستحق ان تلملم ماضيها وتفاصيله الجميلة وان تقدم معالمها الى الزائر بأجمل صورة؟ بل هذا ما يحدث تماما وهو تجسيد الحاضر بالماضي وبناء القيم الثقافية الآتية على تاريخ المنطقة وتشريعاتها المختلفة.