هو خوف مرضي جديد بدأ يظهر على الكثير منا، نتيجة ما توفره لنا اليوم تكنولوجيا الاتصال من تواصل، بحيث أصبحت مشاعرنا وأحاسيسها والتعبير عنها تمر من خلال أجهزتنا الخليوية، فألزمتنا أن نقلق تجاه هذا المعطى اليومي “هاتف اليد، النقّال، الخليوي”، لذا نظل على خوف دائم من أن نضيّعه في أي لحظة أو أي مكان، والخوف أن يسرق منا إن كنا في أماكن تفتقر للأمان. فكم من سيدة كانت لاهية، تضحك مع صديقتها عبر اتصال أثيري دولي، وغافلها نشال هزيل البنية، مختص بسرقة الهواتف الغالية، ومَرَطّه من على أذنها، ورَمَحّ القاع، في ظل دهشة منها، وصرخة عالية، وتسمر على الأرض، ثم سباب وشتائم تتبع النشال الذي أطلق ساقيه للريح، وتوارى عن الأنظار، لقد تغيرت أهداف النشل اليوم، فبدلاً من حقيبة اليد النسائية، والجيوب، وأقراط الأذن، صار الهدف الأسمى النقال. وبعيداً عن السرقة يظل القلق على النقّال مستمراً حتى أنه يتراءى للكثير أثناء أحلامهم، نجلس على أريكة وثيرة، ونغطس فيها، فينزلق الهاتف من الجيب بين ثنايا الكنبة أو نضعه جنبنا ويجد له طريقاً ضيقاً للاختباء بين شقوقها، وفجأة ننهض وننساه، ونظل نبحث عنه بجنون، وكأنه أحد أبنائنا ضل طريقه وغاب عن النظر، ونحتال بأكثر من طريقة للوصول إليه أو نستسلم للأمر، ونوقن بالضياع، ضياع الجهاز، وضياع الذاكرة، وضياع كثير من أحاسيسنا ومشاعرنا ومناسباتنا الإنسانية المجمدة والمخزّنة فيه، نكون في السيارة، وفي غمرة اشتغالنا، وانتباهنا للطريق يسقط ذلك الجهاز الذي بدون حراشف، والأملس مثل جلد “حلجه” بين حدائد الكرسي، فنصاب بهستيريا الفقد، ونبحث عنه، ولو تجرحت الأيادي، تكون مسافراً، وحزمت حقيبة سفرك الوحيدة للعودة، والزوجة المصون حزمت حقائبها الكثيرة، وفي ظل صراخ الأطفال، وكثرة انشغالات الحرمة، من نهر هذا، وإسكات ذاك، والرد على مسجات إحدى الصديقات، تضع نقّالها بين ثنايا أغراضها في تلك الحقيبة الكبيرة والمرصوصة مثل “الوخيفة” وتهيل عليها من “سراريحها وخلقانها”، نضعها في سيارة الفندق استعداداً للمغادرة، وفجأة ونحن على طريق المطار، تصرخ الحرمة: “ويه.. تلفوني وين”؟ ويكاد أن يغمى عليها، فتبدأ بتفتيش جيوب صغارها، ثم تحلّف بعلها أنه يضمه عنها، وتبدأ الاتصالات بالفندق، وتفتيش في الغرفة، وحين يكون الجواب بالنفي، تتهم الحرمة الشغالات في الفندق مباشرة، ويبدأ اليأس يدّب فيها، وتظل غاضبة طوال رحلة العودة من زوجها وصغارها، رغم أنهم ليسوا السبب، وتظل تنتقد أكل الطيّارة، وخدمات المضيفات باستمرار، ولا تضحك لها سن إلا حين تجد ذلك النقّال مندساً بين الثياب. هواتفنا.. أطفالنا الصغار المدللون، هي في اليد ونخاف عليها، وفي الحضن ونقلق عليها، وفي الجيب، ونتحسسها كل لحظة، حتى إن صمتت عن الرنين انتابنا القلق تجاهها.. لذا لا يمكن أن نسمي هذا إلا “تلي.. فوبيا”!


amood8@yahoo.com