حكي عن الحارثي وهو من البخلاء الظرفاء أنه قال: الوحدة خير من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء، لأن كل أكيلٍ جليس وليس كل جليس أكيلاً، فإن كان لا بدّ من المؤاكلة ولا بدّ من المشاركة فمع من لا يستأثر عليّ بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ السّلاّءة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركيّ، ولا ينتزع شاكلة الحمل، ولا يبتلع سرّة السمك، ولا يعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدّرّاج، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا "ما" بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة، ولا ينتهك أستار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجوداً؛ فكيف تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسمنة، وإذا عاين بقريةً استولى على العراق والقطنة، وإن عاين بطن سمكةٍ اخترق كلّ شيء فيه، وإن أتى بجنب شواءٍ اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سنٍّ لضعفه، ولا يرقّ على حدثٍ لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت الحال. وأشدّ من كل ما وصفناه أن الطبّاخ ربما أتى باللون الظريف الطّريف، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدّمه حارّاً ممتنعاً، وربما كان من جوهرٍ بطيء الفتور، وأصحابنا في سهولة ازدراد الحارّ عليهم في طبائع النّعام، وأنا في شدة الحارّ "عليّ" في طباع السّباع، فإن نظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحارّ ربما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم. وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالاً وأعدّ عدّةً، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت أن أطعم أبداً وتأكلوا أبداً، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما تحلبون حلباً لكم شطره. قال حميد الأرقط: ومستنبح بعد الهدوء وقـــد جرت له حرجــــفٌ نكباء والليل عاتــــم رفعت لــه مخلوطةً فاهتدى بـهـا يشبّ لها ضــــــوء من النار جاحم فـــــأطعمته حتى غــــدا وكـأنـمـا تنازعـــــه في أخدعيه المحاجـــــم كزمهان يفطو المشي لو جعلت له رعايا الحمى لم يلتفت وهو قائــــم حريصٌ على التسليم لو يستطيعـه فلـــم يستطع لما غدا وهــو عاتـم Esmaiel.Hasan@admedia.ae