هي قصة تخص امرأتين، إحداهما في الشرق، وأخرى في الغرب، كانتا تعيشان المصيبة ذاتها، لكن طرق المعاملة ليست هي، والظروف المهيأة لكل واحدة منهما مختلفة، والرعاية المنزلية مغايرة، المرأة التي في الشرق أصيبت بسرطان الثدي، وكان وقع الخبر على الزوجة كبيراً، وعلى الزوج أكبر، واتسعت الدائرة في محيط أسرتها وأهلها، وكأنها اقترفت جرماً، ومصيرها الهلاك قريباً، أول ردة فعل الزوج الشرقي أنه كثر تغيبه عن البيت، وإن جلس فيه، جلس على جمر، وسحب يديه من تكريس وقته لأولاده، وكأن الزوجة ما زالت بعافيتها الأولى، وظل المجتمع يعاملها بطريقة فيها الرأفة، وفيها التوديع المبكر لمرأة غدت طارئة، مما شكل عليها ضغوطاً جديدة فوق طاقتها، وفوق آلام مرضها، ونفسيتها المضطربة، استأصلت الثدي، وحاولت أن ترجع كعادتها، وبنشاطها، وتغلبت على نفسيتها ومزاج تحولها بسبب فقدان عضو يشكل قاسماً للجمال في أي امرأة، لكن الزوج الشرقي عد المسألة كلها، وكأنها تنحصر في ثدي مبتور، وأن زوجته ما عادت تلك المرأة التي يمكن أن يأوي إليها في الفراش، ويمكن أن تكون سكناً له، ويمكن أن يكملا طريق الحياة بحكم العشرة الطيبة، والحب القديم، ومسؤولية الأولاد، وأخذ يلوح بزواج جديد، مختصراً القول إنه لا يمكن أن يعيش مع امرأة بثدي واحد، وكذا انفض من حولها حس الصديقات والقريبات، وما عادت على قائمة المدعوات في المناسبات، وفي العمل بقيت تتحسس من نظرات الزملاء، وظلت في خوف دائم من العيون التي تقيسها إن أقبلت، وتفصلها إن أدبرت، مع هسهسات وحمحمات كانت تعتقد أن حديثها الهامس عنها وفيها، الأمر الذي جعلها تعيش في انتكاسة مرضية، وعزلة شبه تامة، أفسحت طريقاً للاكتئاب، وأمراضاً نفسية وجسدية شبه طارئة، المرأة التي في الغرب كان وقع خبر إصابتها بسرطان الثدي يحمل خوفاً كبيراً، ولكنها تعاملت معه بمسؤولية أكبر، والتف حولها زوجها، وظل يظهر لها من الحب الكثير، لم تتغير عاداته تجاهها، ولم تتبدل نظراته نحوها، كان معها في مرضها، وثقف نفسه في كل ما يخص هذا المرض وأعراضه النفسية والجسدية، وقرأ تجارب الآخرين الناجحة في مقاومته، لكنه ابتكر طريقة جديدة، خاصة به، فحين تعرضت الزوجة للعلاج الكيميائي، وتساقط شعر رأسها وحواجبها، قام الزوج وحلق شعره وحواجبه، ليظهر معها دونما أن تشعر بخجل في الشارع والمطاعم والحدائق وفي السفر، كانت تأخذ الحبوب الموصوفة من قبل الطبيب المعالج، وكان هو في المقابل يأخذ حبوباً تحتوي على فيتامينات، فقط ليشعرها أنه معها في كل صغيرة وكبيرة، المرأتان تشافتا من مرضهما العضال، لكن واحد في الشرق قبر زوجته وهي حيّة، لأنه رفض أن يعيش معها بثدي واحد، وآخر في الغرب عبر بها رحلة الحياة، قائلاً: لم يكن ذلك ضرورياً للتنفس!


amood8@yahoo.com