ما بين السلاجقة والبرامكة يسقط العراق ضحية ترهل الدولة العربية وأطماع الخارج.. سقط البويهيون تحت وطأة التمدد السلجوقي القادم من الأناضول، وتوسعت الدولة السلجوقية لتصل إلى أرمينيا بعد إخضاع الشام والحجاز تحت سلطتها، ثم بعد تهاوي هذه المملكة السلجوقية “السنية” يأتي الدور البرمكي في الـ800 ميلادية، وفي عهد الخليفة هارون الرشيد الذي تشرب من ثدي أم برمكية، وانصاع لأوامر الترائب، فحشد حوله البرامكة بقيادة برمك المجوس وذاع وشاع صيت البرامكة، حيث تحكموا في مفاصل الدولة العباسية، وأصبحت رهينة الأطماع البرمكية واسعة الجشع والهلع، حتى استيقظ هارون الرشيد على مقتل ابن عمه مسموماً على يد البرامكة المنافسين الجدد، وفهم اللعبة المعقدة والدور الجهنمي الذي قام به أنصار برمك المجوس، فأودع منهم السجون وأعدم بعضهم خلال ساعات قلائل حتى سميت تلك المناسبة بنكبة البرامكة. هذا هو مصير العراق على مدى التاريخ، يخوض معاركه الداخلية بوكالة دولية تهدف دوماً إلى زعزعة مكانته التاريخية والثقافية وإبقائه رهن المصائد المزروعة من قبل من يأتون فاتحين فيستوطنون محتلين، مستغلين القدرات والإمكانات في هذا البلد، فقدر العراق أن يكون مركز إشعاع حضاري، كما أنه محط أنظار الطامعين في مفاصله الحيوية، ليبقى دوماً النازف والغارف من دم وهمم، القابض على حجرات التهتك والتفكك، وكلما نهض هذا العملاق الحضاري، كلما جاشت لواعج الآخر باتجاه الاستيلاء على قدراته، ليكون العراق الملهوف إلى النهوض، المتلوف من قبل غفلة الداخل، ولهفة الخارج، لمد الذراع على الشراع واليراع والاتساع شرقاً وغرباً، بدءاً من ركام العراق ومحارقه، والتاريخ يسجل هذه الملاحم النارية بحروف من دم أبناء العراق وعلى صفحات من جباه أهل العراق بتجاعيدها وتجاويفها من أثر الاحتمالات غير الشرعية في صناعة غده وتحديد مصيره.. التاريخ يكتب ما تمليه عليه ضمائر الذين جعلوا من العراق دائماً المشهد الأخير لمسرحيات عبثية عدمية وأسوأ بكثير من عبثية فلاسفة التشاؤم، وفي مقدمتهم جان بول سارتر وبيكيت.. والعراق يقول اليوم “الآخرون هم الجحيم، لكننا لا نستطيع أن نعيش خارج هذا الجحيم”.



marafea@emi.ae