مهما وصلت بلاغة ما قيل وكتب، ونظم شعراً أو نثراً في حب هذا الوطن، سنبقى مقصرين عن وصف الحقيقة، ويبقى اللسان بليداً عاجزاً أمام تصوير الإحساس بالكلمات، وستبقى تلك القشعريرة التي تجتاحنا إذا ذكر الوطن وإنجازه عصية على الوصف، هذه هي الحقيقة. ولأننا لن نتمكن من إيصال هذه المشاعر إلى أبنائنا، مهما امتلكنا من أدوات اللغة وفنونها، علينا البحث في هذا الوقت بالذات عن ما هو قادر على نقل ذلك الإحساس بالتقدير والامتنان، كوننا من أبناء هذه الأرض، وأن هذه القيادة بالذات هي قيادتنا.
هي مهمة جديدة تماماً لم يضطر أهلنا للقيام بها معنا، لأننا أبناء السبعينيات والثمانينيات تجتاحنا بكل تأكيد القشعريرة التي أقصدها، والتي تتلبس أجسادنا، عندما نرى إنجازاً وتطوراً ونعمة، وندرك تماماً أننا وعينا على زمن لم تكن فيه، ولذا فحالة الامتنان والتقدير حتى وإن غلبتنا القشعريرة في وصفها، فهي حاضرة ومتمكنة لمن يملك حالة التأمل والتدبير والتقدير من أبناء ذاك الجيل؛ أما الأجيال المتعاقبة والتي لم تحضر تلك الحالة التي سبقت كل هذا الإنجاز فتحتاج إلى تعريضها لجرعات مستحقة من القراءات المصورة لحياة لم يعيشوها وإنما عاشها الآباء، ليكونوا بالفعل ممتنين لهذه النعمة لرب العباد، ومقدرين لدور القيادة التي حملت على عاتقها تحويل كل ذلك إلى منجز عالمي يشار إليه بالبنان.
في مبنى المجمع الثقافي في مدينة أبوظبي -قبل أن يتم إغلاقه لدواعي التجديد- شغل المكان مجسم كبير لساحل مدينة أبوظبي نموذج الجزيرة المطلة على الخليج فترة أوائل الستينيات، لم أزر المجمع أي مرة دون أن أمر على هذا المجسم، وكما شغل المجسم تلك المساحة المميزة في المجمع، شغل أيضاً مساحة كبيرة في وجداني الفكري وتكويني الوطني، لأنه يقدم بكل تجرد أو إضافة شكل هذه المنطقة قبل تولي المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في الإمارة، وقبل تكوين الدولة الاتحادية بطبيعة الحال، حيث انتشرت بيوت العريش متفرقة على الساحل، وغاب تماماً أي شكل من أشكال المدنية والتحضر. هذه الحقيقة وهذه الصور التي أنا على قناعة تامة بأننا بحاجة لمطالعتها باستمرار.
يجب أن تتضمن مناهج التربية الوطنية صوراً كثيرة لكل من كان وعاش على هذه الأرض، للنساء والرجال والأطفال والشوارع والمدارس والباعة والتجمعات السكانية، يجب أن تبقى هذه الصور خلفية طوال الوقت لأي منجز جديد يتم الاحتفال به في الدولة، ليعلم الجميع أبناء الوطن قبل المقيمين فيه أن كل هذا لم يتحقق فجأة، وإنما حدث بعد أن مر ابن هذه الأرض بأقسى الظروف.

???
عندما ندعو إلى النظر للتاريخ بعين كلها الفخر، نختلف تماماً عن أولئك الذين يجترون إنجازات الماضي منغمسين بما كان من آلاف السنين على أرضهم، ويتعاملون مع العالم وكأن الزمن توقف وقتها، نختلف لأننا لم نقف مثلهم نمجد ما كان، ونجتره، بل نظرنا إلى المستقبل ومضينا لنصل إلى ما وصلنا إليه الآن. حماك الله يا إماراتي.



als.almenhaly@admedia.ae