حتى الأدب لم يسلم من الثارات العربية، فالكل في حال السباق بجر الحبال على رؤوس الجبال الوهمية، والكل يذبح الكل، والكل «يجر النار صوب قرصه»، فالشاعر يتفه بالرواية والروائي يسفه بالشعر، فلا أحد يعترف بأحد، والكل يضع حبل المسد في عنق الكل، وتتضخم الأنا لدى «المبدعين» كما هي متضخمة في المجالات الأخرى، ونظل هكذا نسحب الحبال حتى تهرأت الحبال، وتقطعت أيدينا، ولم يبق من الأدب سوى نقاد يسطون على المعرفة كما يفعل قُطاع الطرق، ويذهبون بالعقل العربي إلى حيث المتاهات، والفراشات الضائعة في أتون الغيبوبة المزرية.. ونسي المتحذلقون ما للشعر من دور ريادي في صناعة العقل، ونسوا كذلك ما للرواية من صياغة للنسيج الإنساني، وتوظيف السرد، في تأثيث الوجدان بسجادة التواصل ما بين الفكرة والفكرة.. الأمر الذي يجعل من التنوع في العطاء الذهني كموجات طائشة تلف بعضها بعضاً، حتى تنخر في عظم السواحل، وتصير مساحات من فراغ مذهل، يجتاحه الخوف والريبة، والبطش والنفور، في ذروته القصوى.. هجاء معرفي مستمر، يفضي إلى غياب كلي في التناول والتعاطي، ثم إلى عجز في تقديم ما هو مفيد للأدب بشكل عام.. فعندما يقتعد شاعر كرسي التنظير، يعقد الجبين، ويبوح بالكلام المبين، ويهين ويستهين، ويقول: أنا ابن جلا وطلاع الغيب، فلا يعرف ولا يعترف إلا بالشعر، وشعره هو بالذات ومن عداه صفر على الشمال دون تبيين، وكذلك عندما يختلي الروائي فرصة التأخير، فإنه يلعن الشعر ويسب «شيطانه الرجيم»، ويقول بفظاظة وغلظة، أنا لا أدب إلا الرواية، فهي سنة العصر وهي سنبلة الفكر، وهي قبلة العاشقين على مدى الدهر، وهكذا يستمر السجال، بقيم أهل داحس والغبراء، وبشيم من جعلوا الإنسانية طرائق قدداً في كل مجال وموال وسؤال وأحوال، ويبقى السؤال.. لماذا نحن فقط دون العالمين، نفكر في الذات قبل الذوات؟ ولماذا الأقمار لدينا كالأحجار، تتكسر بفعل التصادم والتقادم والتوهم؟ ولماذا لا نستدل على ذواتنا إلا من خلال سحق الآخر، وبعثه إلى مقبرة العدم؟.. ولماذا نحن فقط الذين يشغلنا كثيراً، إفناء الآخر والاستغناء عن وظيفته العقلية، كشرط لبزوغنا ونزوعنا وشروقنا، وسطوعنا؟.. لماذا كل ذلك التورم والتبرم، والتلعثم، والتشرذم، والتجرثم؟.. Uae88999@gmail.com