السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امرؤ القيس.. الملك الضليل

امرؤ القيس.. الملك الضليل
12 فبراير 2013 16:25
امرؤ القيس، لعله أول الشعراء العرب الذين توصلنا بشعرهم.. وهو، بحسب المراجع التاريخية، امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن الحارث بن معاوية بن يعرب بن ثور وينتهي به النسب إلى قحطان. وامرؤ القيس هو لقب.. أما الاسم الحقيقي فهو حندج ومعنى حندج: الرملة الخصبة التي يكون فيها النبات الطيب. ومعنى امرؤ القيس هو (رجل الشدة) ولامرئ القيس ألقاب أخرى مثل (ذو القروح) و(الملك الضليل). كما كنّي امرؤ القيس بأبي وهب وأبي زيد وأبي الحارث. الدكتور عارف الكنعاني لم يهتم التاريخ بامرئ القيس لأنه كان ملكاً وابن ملك بل إن المؤرخين تناولوا مسيرته وحياته من حيث كونه شاعراً فحلاً بل يكاد يكون أبا الشعراء العرب كلهم. وهو صاحب المعلَّقة الأولى التي لم يبق عربي أو متكلم باللغة العربية إلا ويذكر مطلعها: قِفـا نَبْكِ مِنْ ذكـرى حبيـبٍ وَمـنزلِ بسـقط اللِّوا بيـنَ الدُّخـول فَحَـوْمَلِ أثقال الملك كان أبوه حجر ملكاً على بني أسد وغطفان.. وكانت أمه فاطمة بنت ربيعة أخت كليب وسالم المعروف بالمهلهل. وتتحدث المراجع عن والده في سياق الحديث عنه لتعرف أن الملك حجر كان قد فرض على بني أسد أتاوة سنوية يجمعها كل سنة حيث يرسل إليهم جابياً ليتسلمها منهم فتكون هذه الأتاوة بمثابة مبايعة للملك وإعلان من بني أسد بأنهم تابعون له، مطيعون لأمره، مناصرون لحكمه. إلى أن جاءت تلك السنة التاريخية، حيث أمسك بنو أسد بجابي الملك حجر وضربوه ضرباً شديداً متمنعين عن دفع الأتاوة، وكان الملك حجر في ذلك الوقت بتهامة.. وما أن علم بما حدث لجابيه حتى جمع جيشاً من ربيعة وكنانة وقيس هاجم به بني أسد واستولى على ثرواتهم وجعل يضربهم بالعصا فأطلق عليهم عبيد العصا.. وساقهم إلى تهامة وقام بسجن كبارهم وأشرافهم ثم رق لهم وعفا عنهم.. ولكنهم وعلى غفلة منه غدروا به وقتلوه.. وكان للملك حجر عدة أولاد.. أصغرهم امرؤ القيس. ترجع سنة ميلاد امرئ القيس إلى عام 500 ميلادية.. أما مقتل أبيه الملك حجر فيرجع إلى 525 ميلادية.. أي أن امرئ القيس في ذلك العام كان لايزال شاباً في الخامسة والعشرين من عمره. وإلى أن بلغ تلك السن.. عاش امرؤ القيس كابن ملك حياة اللهو والترف.. الشيء الوحيد الذي ميَّزه عنه إخوته وأقرانه كان الشعر.. ومنذ طفولته، كانت موهبة الشعر تفرض نفسها عليه فنظم الشعر متكهناً في عزله سارداً قصصه الغرامية ومغامراته العاطفية بكلام كان يغضب والده ويقوم بطرده. كان الملك حجر منشغلاً عن ولده بأمور المملكة فأهمله وتركه ليضيع مع حفنة من أقرانه من شباب طيء وكلب وبكر.. لم يكن لامرئ القيس همّ إلا الشعر والمرأة والخمر.. ومما يرويه الرواة أن الملك حجر لما طعنه بعض بني أسد لم يسلم الروح.. بل ظل على قيد الحياة يحتضر فقام بكتابة رسالة إلى أبنائه.. وأعطى الرسالة لواحدٍ من رجاله قائلاً: ? خذ هذا الكتاب ومرّ به على جميع أولادي واحداً واحداً فإن رأيته جزع وبكى وانتحب فاتركه إلى غيره، وإن رأيت واحداً من أبنائي تقبل الخبر دون أن يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي ووصيتي.. في هذه الوصية اسم قاتلي وكيف غدر بي. أخذ الرجل رسالة الملك وانطلق إلى أولاده بدءاً بنافع أكبرهم وانتهاءً بامرئ القيس أصغرهم.. جميع الأبناء استقبلوا خبر النعي بالجزع والبكاء إلاّ امرؤ القيس. وصل إليه رسول أبيه القتيل وكان مع نديم له يلاعبه النرد ويشاربه الخمر.. ? امرؤ القيس بن حجر.. أنا رسول أبيك إليك. لم يلتفت امرؤ القيس واستمر في اللعب والشراب. ? أبوك الملك حجر قتل. أصر امرؤ القيس على عدم الالتفات إلى الرسول، واستمر في لهوه. لم يستطع النديم أن يكمل.. توقف عن اللعب والشراب مذهولاً بالخبر الصاعق. ? العب يا صديقي.. الدور دورك. قالها امرؤ القيس دون أن يبدو عليه أي أثر للانزعاج.. لعب النديم وهو شبه غائب عن الوعي. ? ما كنت لأفسد عليك دستك.. ثم التفت إلى الرجل الذي يحمل رسالة والده: ? حدثني أيها الرجل الطيب.. كيف قتل والدي.. ومن قتله. دفع الرجل سلاح الملك حجر وخيله والرسالة التي حملت وصيته إلى امرئ القيس.. أخذ امرؤ القيس ما أرسله أبوه قائلاً: ? ضيّعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً.. اليوم خمر وغداً أمر.. وعاد امرؤ القيس إلى شرابه فشرب سبعة أقداح. الانتقام في اليوم التالي وكان قد صحا تماماً، فقال: ? أقسم ألاّ آكل لحماً ولا أشرب خمراً ولا أدهن بدهن ولا ألهو بلهو ولا أصيب امرأة ولا أغسل رأسي حتى أثأر له بقتل مائة من بني أسد وجز نواصي مائة آخرين. ومن ذلك اليوم بدأت مسيرة الملك الضليل لاسترجاع ملك أبيه والثأر من بني أسد. جمع امرؤ القيس قواته من فرسان كندة وكتائب حمير وطلب مناصرة بكر وتغلب فنصروه وساروا معه لحرب بني أسد الذي هربوا من وجهه واستمر يلاحقهم دون أن يشفي غليله منهم أو يتمكن من أخذ ثأره. لم يترك امرؤ القيس قبيلة أو ملكاً إلاّ وطلب منه العون لتحقيق الهدف.. وماذا كان الهدف.. استرجاع الملك؟ الواقع أنه في ذلك الزمن لم يكن يستطيع ملك أن يحكم إلا إذا كان قوياً.. وما دام بنو أسد أحراراً طليقين فوق الأرض وهم الذين غدروا بالملك حجر وقتلوه فلن يكون للملك الجديد امرئ القيس هيبة ولا احترام.. لجأ امرؤ القيس إلى ابن عمته عمرو بن هند وكان والياً لأبيه المنذر ببقة بين الأنبار وهيث.. فقام امرؤ القيس بمدحه واستقبله عمرو بن هند بحفاوة.. ولكن والده المنذر علم بوصول امرئ القيس وإقامته لدى ابنه فغضب غضباً شديداً لأن بني أسد استجاروا به وأجارهم. أسرع عمرو بن هند يحذر امرئ القيس من غضب المنذر فلم يجد بداً من الهروب.. توجّه إلى اليمن فلم ينصره أحد.. ثم قصد أقرباءه من بني حمير فأعطوه خمسمائة رجل وسار بهم طالباً بني أسد.. ولكن ملك الحيرة المنذر جمع من العرب جيشاً كبيراً وأمدَّه كسرى بكتيبة من الأساورة فأرسلهم خلف امرئ القيس ليقتلوه.. ورغم تفرق جماعته عنه استمر امرؤ القيس ينتقل من مكان إلى مكان وكان أعيان القبائل يستضيفونه ويكرمونه نظراً لكونه شاعراً يطمعون في مدحه.. وهو ليس شاعراً عادياً بل ملك وابن ملك. آخر ما رواه الرواة عن هذا الشاعر العظيم هو محاولته الاستنجاد بقيصر.. فهو مؤمن أن لديه قضية عادلة وأن ما فعله بنو أسد هو طغيان وغدر لابد من عقابهم عليه حتى لا يتحول الغدر إلى قاعدة مقبولة في مجتمع العرب. سار امرؤ القيس مصطحباً معه عمرو بن قميئة أحد أبناء قيس بن ثعلبة.. وكان من حاشية أبيه.. ولما طال به الدرب بكى عمرو فقال امرؤ القيس أبياته المشهورة: بكى صَاحبي لما رأى الدربَ دونهُ وأيقــــنَ أنّــا لاحِقـــانِ بقيصَـــرا فقلــتُ لـه: لا تبــكِ عينُــكَ إنمــا نحــاولُ مُلكـاً أو نمــوتَ فنُعـــذرا يؤكد الرواة أن قيصر الروم أكرم وفادة امرئ القيس واقتنع بعدالة قضيته وزوده بجيش كبير لاستعادة ملكه وقهر بني أسد.. ولكنه لم يكن محظوظاً إذ روت المصادر أن رجلاً من بني أسد يدعى الطماح بن قيس الأسدي قام بتلفيق الأخبار ضده لدى القيصر.. وكان امرؤ القيس قد قتل شقيق ذلك الرجل فأراد الانتقام منه ونجح في إثارة القيصر ضده. الوشاية كانت أن امرئ القيس التقى بابنة القيصر وهام بها ونظم فيها الشعر مما أساء إلى أبيها فقام بإرسال حلة مسمومة منسوجة بالذهب فارتداها امرؤ القيس بعد وصولها إليه وكان لا يزال دون أنقرة، فسرى السم إلى جسمه وتناثر لحمه. وذلك سنة 540 ميلادية. هذه الرواية ينكرها بعض الدارسين مثل شوقي ضيف وفؤاد البستاني الذي لا يستبعد أن يكون امرؤ القيس قد أصيب بمرض يشبه الجدري وتركت في جسده البثور والقروح ولذلك جاء لقبه: ذو القروح. دفن امرؤ القيس في أنقرة إلى جانب امرأة من بنات الملوك في سفح جبل اسمه عسيب. تقول بعض المصادر أنه لما حضرته الوفاة.. وعلم أن قبره سيكون في سفح جبل عسيب إلى جانب تلك المرأة الملكية. نظم قصيدته التي قال فيها: أجارَتنـــــا إن المـــــــــزار قـريــبُ وإنـي مقيـــم ما أقـــامَ عَســـيبُ أجارَتنــــا إنّــا غريبـــــانِ هاهُنـــــا وكـلُّ غريــــبٍ للغريــــب نســـيبُ نظَّم امرؤ القيس العديد من القصائد.. بعضها وصل وأكثرها لم يصل إلينا. ولكن أهم تلك القصائد معلقته التي اعتبرت أشهر المعلقات وأهمها على الإطلاق. ومما يذكر أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «رأيت امرئ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا رهبة». ولا شك في أن معلّقة امرئ القيس تحمل قصتها، فهي سرد جميل لما مرّ به وما لقيه.. إن القصيدة نفسها حكاية من حكايات الشاعر الملك ابن الملك.. امرئ القيس.. ولكننا نختار من هذه القصيدة الأبيات التالية: قفا نبك من ذِكرى حبـيب ومنــزل بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسـمهاَ لما نســجتْها مـن جَنُـوب وشــمألِ تــرى بَعَـرَ الأرْآمِ فــي عَرَصاتِهــــا وقيعانهــــا كأنــه حـــبَّ فلفـــل وُقوفـاً بها صَحْبـي عَلـيَّ مَطِيَّهُـمْ يقُولـون لا تهــلكْ أسـى ً وتجمّــل وإنَّ شـــــفائي عبــرة ٌ مهراقـــــةٌ فهـلْ عند رَســمٍ دارِسٍ من مُعـوَّلِ كَدَأْبِــكَ مـــن أمِّ الحويَـرثِ قبلهــا وجارتهـــــا أمَّ الربــابِ بمأســــــل إذا قامتـا تضــوَّعَ المِســكُ منهُمـا نســيم الصبـا جـاءتْ بِرَيّا القرنفُــلِ فَفاضَت دُمـوعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي ألا رُبَّ يــومٍ لــك مِنْهُــــنَّ صالــح ولا ســـيّما يــومٍ بــدارَة ِ جُلْجُــــلِ ويــوم عقـــــرتُ للعــذارى مطيتــي فيا عَجَبـــاً مــن كورِهـــــا المُتَحَمَّـــلِ فظــلَّ العــــذارى يرتمــينَ بلحمهـــا وشـــحمٍ كهــداب الدّمَقسِ المُفَتَّــلِ شرح المفردات: سقط اللوى: منقطع الرمل. الدخول وحومل: موضعان. توضح والمقراة: موضعان. لم يعف رسمها: لم ينمحِ أثرها. المهراق: المصبوب. المعوّل: المبكى. الدأب: العادة. المأسل: ماء بعينه. دارة جلجل: غدير بعينه. المصادر والمراجع: 1- ديوان امرئ القيس: تقديم وشرح وتعليق الدكتور محمد حمود 2- الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني 3- تاريخ الأدب العربي: بروكلمان 4- أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام: بطرس البستاني 5- في الأدب الجاهلي: طه حسين 6- العصر الجاهلي: شوقي حنيف 7- لسان العرب: ابن منظور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©