كنخلةٍ تغرس الوتدا، كطائر مدهش يرنو الأبدا، كحُلُم تفَرَّسَ في العراء، كبحر يغسل أمواجه بالزبد، ويعلق قميصه على مشجب السفر، كمركب فرَّ من موجة، كبَحَّار استطلع الأفق ثم رفع الشراع، كفارس أحصى عدد الخطوات ثم انطفأ، كخيل مد البصر، ثم انحدر كجبلٍ فضي، رصع الأرض بالشموخ، كعشب ارتدى النشيد ثم رقص مع النجم، كنجمة استدلت على موقع القمر فأضاءت نهاراً، كامرأة عاشقة حضنها الحنين على الأنين، فذوت وخبأت عينيها خلف السيل، كفكرة ناصعة أصابها اللظى، فباءت بالهشيم، كقطرة مجَّها المطر، فتسربلت بفلول الرمل، كعاشق قرض القصيد ونسي اسمه، كعابد شاخت قدماه وقوفاً، فانكفأ يبحث عن ساقيه، كراهب دهمه خيال امرأة فقبَّل الصليب، كأغنية قديمة يرددها كهل ساعة التضجع، كدمعة أحرقت التراب والترائب والصورة، على الجدار تسرد حكاية قديمة قِدَم البؤس في نفوس الحفاة.. كنشيد بحري غاب مع صفير الريح، وحشرجة الناهمين.. كجزيرة حدّقت في الجهات الأربع، ولم يكن إلا الطير يلتقط أسماكه، ككائن بري، حبَّ في الخلاء، متخلياً عن عشب القلب، كغزالة هاربة من فيض التوحش، كنقطة على سطر بهت حبرها، كلوعة في فؤاد امرأة ضائعة، كسقوط المطر على وجه معجون بالألوان والأشجان.
كليل طويل في عيون متحري عودة الغائب، كنهار يخلع ملابسه الداخلية ويستحم في اليباب، كبارقة أمل في قلب أرملة، تحدثت مع الجدران طويلاً، كجدار ينحني على رأس بائس طرير، كسدرة في فناء استدرجه الزمن للوحشة، كعصفور عض القشة بين منقارين صغيرين ولم يجد غير قطٍ ضخم يهوي من فوق غصن مهترئ.. كصغير فتح العينين على فراغ وسيع، فتفرغ للتفكير في سبب الوجود.. كطفلة دمعتها تلمع بالأسئلة المبهمة، كطريق الناس على جانبيها كائنات مذعورة، وذاكرة مثقوبة، تحفر في السراب وترتب أسباب الخراب بلا أسباب.
كصرخة غامضة، تشد الحبل حتى تنقطع الأحبال الصوتية، كنظرة لا إلى شيء، تتوحد عند الشرود، كشهيق بعد زعيق، والمعنى تائه في تجاويف اللهفة.. كرفيق ملّ من رفيق، فشب الحريق في الطريق، فانحشرت المعاني في الهشيم، كوقت ما بعد الزمان، خلف المكان، والوجوه أشباه وأشباح، والجحيم نعيم القابضين على الحرقة الأبدية.. كزمن يفك عقال زمن، ويهرب في اللاشيء، ويعد أصابع الفراغ بحنكة الفلاسفة، يجلد الحكمة بسوط عذاب، يسرد حكاية الألم منذ القِدم، ثم ينام بلا قلب.. كنهر تشردت روافده في منافي الأسئلة.. كدهر لم يعُد من عمر الإنسان.. كقَطْر من قتر..


marafea@emi.ae