في الحقيقة، فإن الحوار - أياً كان عدد أطرافه أو انتماءاتهم وتوجهاتهم - ليس سوى موافقة ضمنية وعلنية على محاولة الاقتراب والتعايش مع أفكار الآخرين، بغض النظر عما سيقود إليه ذلك الحوار على مستوى موافقة طرف على أفكار الآخر أو اقتناعه بها أو اعتناقه إياها، فعادة ما تفعل الحوارات ذلك، أي أنها تقودنا إلى أن ندخل عوالم مختلفة من الأفكار والتوجهات لنرى كيف يتعامل الناس فيما حولنا وفق قيم وتوجهات مختلفة تماماً عما نؤمن بها، ذلك أنه ما من شك في أن المجتمع بكل من فيه لا يؤمن بفكرة واحدة ولا يعيش نمطاً حياتياً موحداً ولا يتصرف بشكل متماثل كما قد نظن، لقد خلق الله الناس مختلفين وسيبقون كذلك، هذه حقيقة كونية علينا أن نتعامل معها بأكبر قدر من الوعي والتصالح، وبأقل قدر من الاستغراب والرفض والعدائية.
لماذا علينا أن نتحاور؟ ببساطة كي نفهم ونعرف أكثر، ولكي نعي ونقتنع بأن الحياة في أصلها قائمة على التواصل والتفاهم، أن المتطرفين المتعصبين بشكل أعمى لأنفسهم، ولدينهم ولعرقهم وأفكارهم، لا يبنون ولا يراكمون أي شكل من أشكال التعاون أو التفاهم أو أي ناتج إيجابي يقود إلى منفعة أو فائدة؛ لأن المتعصب أو المتطرف أو الغوغائي في حواراته ومقارباته لا ينوي في الأساس أن يفعل أو يبني، إنه أحد أدوات التمزق والهدم واستمرار الدمار والقطيعة أو التمهيد لها على الأقل. لماذا علينا أن نتحاور؟ ببساطة لأننا لا يمكن أن نحيط بكل شيء علماً، هناك ما يجب أن نكمله ولكنه عند غيرنا، لذلك نسعى إليهم لنحصل على ما ينقصنا، ولأن هناك أفكاراً لا نعرفها ولا نفهم كيف تأسست، وكيف يتعايش معها أصحابها، نحن لا نرفضها لكننا نريد أن نعرفها بشكل واضح؛ لذا يجب أن نسعى لهذه المعرفة، وهناك ظروف تكثر فيها الاختلافات فجأة، ويتزايد عدد مثيري الفتن وموزعي الشائعات والاتهامات، وهنا أيضاً علينا أن نفهم بوعي وبشكل صحيح، قبل أن نصدر أي حكم، لذا علينا أن نسعى، وأن نتحاور مع هذا المختلف كي نعرفه جيداً، قد تقودنا كل تلك المحاولات إلى نتيجة إيجابية، وهذا هو أساس وظيفة الحوار، وقد لا تفعل، لكننا نكون قد قمنا بما يتوجب علينا.
لماذا علينا أن نتحاور؟ ببساطة لأن الله حاور إبليس في القرآن حين أتم خلق آدم، وأسجد له الملائكة، وفي قصة السجود لآدم تكريم لروح الله التي نفخها في هذا الذي ظل تمثالاً من الطين لا قيمة له، لكن إبليس أبى واستكبر على الرغم من تلك المحاورة الربانية معه، لم يكن يحاور ليفهم، ولكن ليزداد عناداً، والعناد والتكبر أولى المعاصي التي عصي بها الله سبحانه، ثم حاور الله سبحانه وتعالى ملائكته ذلك الحوار الرباني الرائع الذي جاء في سورة البقرة حول استخلاف الله لآدم في الأرض، فقال الله ثم قالت الملائكة، وهكذا استسلمت الملائكة لأمر الخالق في آخر ذلك الحوار بإقرارها بعلم الله الأزلي الذي هو فوق علم المخلوقات.
نحن نتحاور لهذا السبب بالضبط لنعرف ونفهم ونقتنع - إذا اقتنعنا -عن بينة، أو نظل على قناعاتنا التي نحن عليها، ولكن من دون أن نرمي الآخرين بالكفر والخيانة والجنون والعمالة والغباء و ......... إلخ، كما يفعل كثير ممن نشهد حواراتهم هذه الأيام، والتي ليست سوى محاولة استكبار وعناد وتعصب وتطرف لا تقود إلى أي بصيص نور، الحوار نافذة نور علينا أن نفتحها أولاً ليصلنا هذا النور، لا أن نغلقها، ونظل نلعن الظلام.


ayya-222@hotmail.com