تصدمك الوجوه المحملة بغبار الصباحات الباكرة، تصدمك العيون المغشية بغبش السأم والتذمر.. أطفال في سن الروضة يتنازعون دفء الفراش مع أمهاتهم، ويخرجون من تحت الملاءات القطنية بعسر يذهبون إلى الحمامات بالسيقان الصغيرة، مجندلين بأحاسيس الآلام النفسية يستقلون السيارات مع أحد الوالدين، وعيونهم ترتكب فضيلة النوم، يحاول الآباء أن يوقظوهم، أن يلفتوا أنظارهم، إلى مشاهد في الطريق لعلّ وعسى يذهب هذا الغاشم المتفاقم، ويدعهم في وداعتهم، وهم باتجاه صروح العلم والمعرفة، ولكن لا جدوى، لأن الأغصان الغضة بحاجة إلى تشذيب وترطيب وترتيب المشاعر بحيث تصبح مهيأة لاستقبال يوم جديد من أيام العمر، وجولة جديدة من جولات الإبحار في عوالم الفكرة، عوالم الناس، عوالم الحدث الذي سيصير بعد غد أو شهر أو سنة أو سنوات، ذاكرة تختزن ما مر، وفات وأصبح ورقة من أوراق الذكريات. سنابل بحاجة إلى سبيل ووسائل تزخرف صباحاتها بالفرحة، وانشراح الصدر وتقبل الأمر الواقع بحبور وسرور، ولكن ما يحدث في الصباحات المدرسية شيء من التهشيم للذات الطفولية، فما معنى أن يصحو طفل منذ الخامسة والنصف صباحاً، ليعود بعد الثانية، وعلى ظهره حمالة الحطب، وأشياء من تعب وسغب، وكدر ونكب .. ما معنى أن يسقط هذا الصغير، في دورة الحياة الوظيفية وكأنه رجل راشد يدير مؤسسة تجارية ضخمة. صحيح أن هؤلاء الصغار بحاجة إلى تدريب على ارتقاء السلم الحياتي، ولكن أن تجعلهم يقفزون درجات السلم بأجساد لم ينشف منها حليب الأمهات، فذلك إقحام في متاهات الانكسار، وهو صناعة مرتجلة لجيل قد ينسى طفولته، وعفويته وبراءته. هي مزرعة لإنبات شجيرات تنكسر أعوادها لمجرد وضعها في مواجهة ريح المصاعب، والطفولة تحتاج إلى عالم يفسح لها نوافذ الجبلة الأولى، وعلماء يدرسون الحاجات النفسية قبل فرض الالتزامات العلمية، والطفولة عالم محيط واثاره واسعة، أعشابها لدقيقة لا تحمل شلالات من التعليمات والضوابط، والنواهي والأوامر، هي مرحلة استدراج للطاقة النفسية، وهي مرحلة استدعاء للقوى العقلية والبدنية، التدريب غير الماهر، يقودها إلى كثبان رملية تغوص فيها الأقدام إذ لا حراك هناك ولا تقدم ولا استفادة من كل الجهود. الطفولة، هي المنطقة الوسطى ما بين العدم والتقدم، وبإمكان النظام التعليمي أن يختار ما بين الاثنين، فإما باتجاه الضوء أو الانحناء نحو الظلام.. ونحن نريدها، ونتمناها طفولة معشوشبة بالتفاؤل، مزدهرة بالحب للمدرسة والمدرس، ولكي نجيد صناعة التفاؤل، لا بد وأن نحترس من غثاء الصباحات المبعثرة، والمتعثرة بأحجار الإيقاظ المبكر.. المعكر للصفو.. لا بد وأن ندرس منهجاً يتواءم ويتلاءم مع العفوية. علي أبو الريش | marafea@emi.ae