حين تذهب عميقا في الحديث عن دواخل النفس تصبح قريبا من كل إنسان، فجميعنا تسكننا نفس تحن دائماً لشرط إنسانيتها أيا كان ما يبدو في الخارج قاسيا أو معتما، ولذلك فالحديث عن هذه النفس وتجلياتها، الذاكرة واحتيالاتها، القلب وتقلباته، الزمن وما يفعله، غالبا ما يستهوينا ويجمعنا، نحن لا نتخلى عن إنسانيتنا أو عفويتنا أو رقتنا حين نبدو في وهج النشاط وصراعات النهار الأزلية، نحن فقط نرتدي أقنعة الحاجة أو عدة “الشغل” كما يقال بالدارجة! نتخلى عن أحلامنا أحيانا؛ لأن الدنيا صعبة المنال لا تنال بالأحلام ولكن بالأموال والمصالح والعلاقات والبروباجندا (الدعاية )، ولذا نؤلف أفلاما صغيرة خلال نهارا تنا، فنبدو للناس من خلالها أننا كبار بما فيه الكفاية وناضجون جداً ولا سبيل لخداعنا أو تمرير الاحتيالات من خلف ظهورنا، نشحذ قوانا لتصل رسائلنا لمن يعنيه الأمر بأننا من الصلابة بحيث لا شيء يستدر عاطفتنا أو دموعنا أو يغير مواقفنا، فنحن عمليون وواقعيون لسنا حالمين أو رومانسيين أبدا، لكننا في حقيقتنا لسنا كذلك، ولكن شروط الأقنعة تفرض التزاماتها علينا! قلت لصديقة عزيزة يوما، لماذا تجتهدين لتظهري أمام البعض أنك إنسان لا مبال، ساذج وغير جاد أو مثقف، مع أنني أراك عكس ذلك، وبالفعل فقد كانت من العمق وقوة الحجة وحِدة الذكاء بما يجعلني أتساءل لماذا تظهر عكس ذلك! فكانت تجيبني ذلك قناع ارتديه أمام البعض لأنه يريحهم أن يروني كذلك، أنا لا أتخلى عن ذاتي لكنني أتنازل لهم كي يشعروا بالارتياح في وجودي ، فبعض الأشخاص لا تحتمل خفتهم أو لا تطاق قوة شخصيتهم .. مثلي (كانت تقول) !! حين نكون صغارا نحلق بأجنحة من ورق ونجري باحذية من ريح ، نصل إلى آخر المدى في كل شيء، نذهب إلى حيث تأخذنا أقدامنا، نفعل ما يخطر ببالنا، لا نفهم معنى الوقت ولا معنى الموت ولا ماهية الألم، أقصى آلامنا حين نتعثر بحجارة الطريق ومنتهى سعادتنا حين نخرج إلى فضاء الأزقة متحررين من الأوامر والنواهي، لا نحب أقنعة أمهاتنا ونخاف من براقع جداتنا ( البراقع أقنعة في نهاية الأمر) وكلما كبرنا ثقلت أجسادنا عن الذهاب إلى آخر الشارع وثقلت أرواحنا عن احتمال أحلامنا، فنضعها جانبا متعللين بالظروف وصعوبة الأحوال، ونبدأ في اختيار الأقنعة! تنتابنا حالة الفقد إزاء اصغر المواقف، وتهطل الذاكرة كسماء لا تعرف التوقف، هطول الذاكرة ينعش يباس القلب وينزع الأقنعة كلها ، فنحن نراكم أقنعة من كل الأشكال بقدر ما نراكم همومنا ونتخلى عن أن نكون نحن كما يجب أن نكون، لذا فربما يتحول القناع في لحظة ما إلى جزء منا أو يصير كلوننا في آخر المطاف ، عندها يكون الأمر قد انتهى ونظل نتحرك كأشخاص منفصلين عن مداراتنا الحقيقية ككوكب فقد مداره وخرج عن جاذبيته بشكل نهائي! ليس طفولة أو مرضا أو سعيا للألم أن ننزع الأقنعة ونعود لذاكرتنا وأن نقلبها أو نبحث فيها، الأمر قد يكون مؤلما، لكنه إنساني جداً في عالم يتحول كل لحظة ويسعى كباره إلى تحويلنا إلى مجرد أشياء تستهلك أشياء تمهيدا لتحويلنا إلى روبوتات أو كائنات آلية ، نحن حين ننفصل عن ذاكرتنا نكون مخلوقات آلية ويصير كل شيء متساوياً في أعيننا وأمام مشاعرنا !! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com