ما أسهل أن تبرر وما أصعب أن تقول الحقيقة .. ليس هذا شأن دورينا وتصريحات دورينا، لكنه شأن الحياة، ولذلك بقي الصدق فضيلة كبرى ومنجاة لمن عمل به وأصر عليه. أنا لا أتهم أحداً بالكذب، لكن الكل يتجمل ويحاول الدفاع عن قدراته، وعن لقمة عيشه، ومن هنا كان ثراء دورينا بالمتناقضات الكلامية أكبر من ثرائه الفني .. فحلبة التصريحات أكثر سخونة مما يحدث في المستطيل الأخضر، على الرغم من مطر الأهداف الذي لا يزال منهمراً، والخماسيات والسداسيات التي لا تخلو منها جولة من الجولات. لا نزال في حاجز نسبة الأهداف الخمسة في كل مباراة، بعد أن شهدت الجولة الأخيرة 33 هدفاً، تقترب بالنسبة من هذا السقف الذي لا منطق له سوى في كرة الصالات، لكن من الأهداف وتوالي الإقالات تبقى التصريحات مادة ثرية للفرجة أيضاً .. نعم بات بإمكانك أن تتفرج على التصريحات وأن تضحك وأن تحزن .. كيفما تشاء ستجد. أقال دبا الفجيرة مدربه كابو، وقال إنه كان يفكر في ذلك قبل مباراة العين التي خسرها بالخمسة، ولم يكفه توقف الدوري ليعيد ترتيب أوراقه، واختار هذا التوقيت الذي فرضه عليه الواقع المر وسخط الجماهير. وفي اتحاد كلباء، لا يبدو التخبط مختلفاً، فتصريحات البنزرتي مدرب الفريق بأن فريقه لن يهزم بالستة مرة أخرى، قابلتها تصريحات جريجوري ومحمد عبدالله حارس الفريق، أن الاتحاد لا يستحق البقاء في المحترفين، ومثل هذا الكلام من لاعبين بالفريق وإن كان لا يجوز، إلا أنه مؤشر إلى بداية انفراط العقد، وإلى أن خللًا يضرب في أوصال الفريق، وهو كاف لهدم ما بقي من معنويات، وحتى ما قاله البنزرتي كان هادماً، فهو وعد بألا يخسر الفريق بالستة .. إذن لا بأس إن خسر بالخمسة أو الثلاثة. وتأخذ بقية التصريحات نسقها التاريخي والمتوارث، فمن فاز سعيد بعودة الروح، ولست أدري كيف عادت ولا أين كانت، ومن خسر يحتاج وقفة مع النفس والكثير من الكلمات الفضفاضة القوية، التي تبدو مثل الحقيقية، فأصبحت من مفردات المؤتمرات وتقدمت قائمة التبريرات. ومن الشباب إلى الجزيرة، تجد معضلة فنية يعييك حلها وتؤرقك طلاسمها، فبوناميجو ترك الشباب بحثاً عن مجد جديد، وانتقل إلى فريق يمكن القول إنه جاهز للبطولة، وجلس على مقعده في الجوارح المخضرم باكيتا صاحب الصولات، ولكن بقيت المتلازمة على حالها وترسخت في الجولة الأخيرة بخماسية مني بها الشباب من الأهلي، وثنائية تفوق بها الظفرة على الجزيرة، فتكتشف أن بوناميجو لا أراح ولا استراح، ويذهب بك الظن مبلغه، فتشك لبعض الوقت في أن النتائج هبات توزع على الفرق قبل المباريات، وأنه لا دور لأحد ولا تكتيك “ولا يحزنون”. ويطلب منا باكيتا ألا نسأله عن الشباب سابقاً، ثم يعود ليؤكد أن ما حدث لم يحدث له طوال مسيرته التدريبية، فلا نشعر هل هو ناقم أم ماذا؟ خاصة بعد أن برر سوء أداء الشباب بكونه الوحيد الذي لم ينفق على صفقاته، واعتمد على لاعبين بلا خبرات، وأنظر إلى الشباب فأراه نفسه دون أن أدري ما الذي تغير. وما بين أول الطريق الذي رسمه الفائزون، وعودة الروح إلى العائدين، والسعي إلى تصحيح الأخطاء للخاسرين، نفتقد من يشخص “صح” ويعترف بحقيقة العلة، لنبقى كما الفرق في الملعب .. نتأرجح على إيقاع الكلمات. كلمة أخيرة: ماذا يفعل المريض إذا فشل الطبيب في تحديد العلة ؟ mohamed.albade@admedia.ae