يثير الإعجاب هذا التوجه لدى جيل الشباب الجديد من المثقفين الإماراتيين الذين بدأ توجههم للعمل في المجال الثقافي ومجال النشر والتوزيع وتجارة الكتب، يأخذ شكل مشاريع ذات صيغة جادة وقوية ومتعددة الاهتمامات، كما أن الملاحظ أيضاً دخول الفتيات بقوة على خط العمل الثقافي بالجدية والإيمان نفسه، وهذا مؤشر دقيق على ما وصل إليه وعي الشباب الإماراتي بالمستقبل والثقافة، وبقدراتهم على أخذ زمام المبادرة في مجال ظل حكراً على غير الإماراتيين أولاً، وظل دعمه والاهتمام به محصوراً على الجانب الحكومي أو الرسمي!
يفكك الشباب الإماراتي شيفرة المبادرات الخاصة والأعمال الحرة، ولكن بعيداً عن ذهنية السائد الذي ظل محصوراً في البيزنس والمال والبنوك والعقارات وغير ذلك، يفككونها، بمعنى يستوعبون اشتراطاتها وتحدياتها، وضرورة وجودهم في قلبها لأن الثقافة والفكر معياران مهمان وحاسمان من معايير تقدم الوعي الإنساني لأي مجتمع، كما أنهما دليل أكيد على نضج الإنسان، ومشاريع التنمية الإنسانية التي توليها حكومة الإمارات أهمية قصوى في استراتيجيتها العامة !
لقد ظل إعلامنا يردد المقولة المقولبة نفسها زمناً طويلاً عن عدم صلاحية شباب الإمارات للعمل الخاص -مطلق العمل الخاص - حتى تشكلت ثقافة سلبية، حول هؤلاء الشباب أفرزت صورة نمطية مبالغاً في جزء كبير منها، خلاصتها: إنهم شباب مدلل لا طاقة له على وطأة العمل الخاص، شباب متعجل لايحتمل المشقة، ولايتحمل المسؤولية .... وغير ذلك، وظل يغذي هذه الصورة أطراف لها مصلحة في ألا يظهر شباب الإمارات في المشهد الاجتماعي، كما يجب، والأمر كله كان عبارة عن صراعات مصالح ضيقة، عمل بعض الإعلام المحلي للأسف على ترويجها!
لكن الشباب الإماراتي فاجأنا بصموده في وظائف العمل الخاص، وحتى الذين تسربوا منه كان سبب خروجهم رغبتهم في البحث عن أماكن تفجر طاقاتهم وإبداعاتهم أكثر، وأن جزءاً من هؤلاء قد يمموا شطر الصناعة: صناعة الثقافة، والنشر والطباعة والثقافة والكتابة، فظهرت أسماء يشار إليها بالبنان، حركت البحيرات الراكدة، ومنحت العديد من الأسماء المجهولة فرصة الظهور، ونشر نتاجهم كمحاولات أولى ستتطور مع مرور الوقت وتراكم التجربة، فلا يوجد كاتب عبقري يولد مع نصه الأول، وهذا ما يتوجب على المبدعين الصغار استيعابه وتقبل أي نقد يوجه إليهم، شرط أن يكون نقداً موجهاً للنص، أو العمل، وليس لشخوصهم !
قلت في مقال سابق إن الفترة الراهنة ستشهد إقبال شباب الإمارات على العمل الثقافي، خاصة بعد تراجع اهتمام الكل بسوق الأسهم والعقارات، وبعد أن خرج جيل يعنى بالثقافة، ويهتم بالمنتج الثقافي، كما يمتلك وعيه ورأيه ورؤيته للحياة والمجتمع، وهذا ما حدث وسيتكرر كثيراً في الأيام المقبلة، وربما ولد هذا موجة خلط للأوراق، أو شيوعاً لظاهرة الدكاكين الإعلامية أو الثقافية، لكن لا بأس، فالتجربة لابد لها أن تفرز نواتجها بكثرة، وفي جميع الاتجاهات لتنضج وتستمر بقوة، هذا هو قانون الحياة بشكل عام وما ينفع الناس سيبقى في النهاية!


ayya-222@hotmail.com