هل من الممكن أن يتحفنا كاتب بعظمة تولستوي، بعمل إبداعي يغسل عيوننا من نزيف الدماء، ويشنف آذاننا من هدير الفوهات الحمقاء. هل من الممكن أن يصدمنا مخرج تلفزيوني أو سينمائي أو مسرحي، بعمل فني يخرجنا من حشرجة الرغاء والثغاء، والنعيق والنهيق، ليعيد ترتيب مشاعرنا التي هربتها الحروب وبعثرتها الكروب، وشوهتها الخطوب، وسربتها الندوب، وسربلتها دواعي العبث الدؤوب، وما فعلته السياسة اللعوب، وما جرَّته علينا من نهايات أشبه بالرجوم. نعم نحن بحاجة إلى زلزلة غشاء الكراهية البغيض، وغربلة مفاعلاتها التدميرية والتخريبية، التي أبادت وأطاحت أجمل المعاني الإنسانية وحولت الإنسان إلى كائن متوحش، متفشٍ كالوباء والبلاء، وصارت بلدان الناس خرائب ونواكب وعواقب ومصائب، بعد أن دوخت الملل والمذاهب العقول والأصول والفصول، وبدا المعقول لا معقولاً ولا مقبولاً، ولا موصولاً مع الحياة، لأنه خارج نطاق الحياة. نعم نحن بحاجة إلى إسعاف وإنقاذ، ينتشل أرواحنا من صهد هذا التهور والتضور والتدهور الأخلاقي، المتشبث في أعناق الذين حيدوا الضمائر، وانتبهوا إلى مقاصد لا ترتبط البتة بالقيم الإنسانية العالمية.. حروب تطحن وتسحن وتحقن، وتمتحن وتمتهن، حتى تحولت الشاشات الفضائية ملونة بلون واحد، الأحمر الفاقع، والصوت صوت النحيب من وجيب إنساني تقطعت أوصاله ونصاله. نحن بحاجة إلى ملهمين، يعيدون لنا التوازن ولا يضيعون الوقت في البحث عن ذرائع وحجج، لأن الحرب وبأي حال من الأحوال هي شر مستطير، ولا مجال لتبرئة الجاني حتى ولو نطق واستنطق الغير، قتل إنسان تحت أي ذريعة جريمة، وتخريب منجزات الأوطان، لا يساويها أي ثمن، فهذا الإنسان الماكر الماهر، في بث المسوغات والأعذار والمبررات قادر لا محالة على تلوين الأشياء بلون النفس الأمّارة، المنتفخة، الأمر الذي يجعلنا نشك في كل من يقتل وكل من يدعي ويفتري، ويسوق الأدلة والبراهين، ويدلي بدلاء اللغو والعبث من أجل تمرير فكرة أو تسويق بضاعة ثقافة بائدة، لا تساوي قطرة دم بريئة تُهرق على رصيف شارع ملتهب بالأسئلة الغامضة والمبهمة.. نحن نحتاج إلى قدرات فنية وإبداعية عالية الجودة تخرج من رحم هذا التصهد، لتنقذ أرواحنا من توعك الصدمات المتلاحقة، والافتراضات التي تقود إلى مزيد من الافتراضات، وأسئلة ما بعد الفراغ.. نحن نحتاج إلى حالمين بالحب، يزرعون شوارع الناس بالأمل، والإشراقة واللباقة، وبالابتسامة نحتاج إلى من يحررنا من بؤس اللون الأحمر، ومن رجس الأصوات النشاز المتوهمة في الموت حياة، وفي الحرب حرية وفي الكراهية ديموقراطية.. نحن نحتاج إلى جيوش تقتل القتل وتحارب الحرب، وإلى ضمائر تعرف أن الله حق، وأن للأوطان علينا حقاً. علي أبو الريش | marafea@emi.ae