كنت استصعب دائماً الذهاب إلى المحيط البعيد، سواء شرقاً أو غرباً، وحين عزمت أن أذهب إلى المكسيك ذات مرة، قالت سهيلة: “رجلي على رجلك”. لكن أخباراً غير سارّة وصلت من المكسيك ذاك الصيف، مفادها تفشي أنفلونزا الخنازير، فزادت على بعد المسافة، ومشقة السفر، والزحمة المعطلة في”مكسيكو سيتي” سبباً آخر، وعلى الرغم من وعدي للعجوز بتسفيرها إلى المكسيك، لكني اليوم أكثر التزاماً، وليس كما تدعي أن كلامي الليلي المعسول، لا يصبح عليه النهار المثقل بالتعب والأعباء، و”المفاتن” على الصغيرة والكبيرة، لكنها من سمعت الأخبار تراجعت وقالت:” أصلاً أنا أمبونّي من زمان ما أحب أسافر بعيد”! ربما من حسنات ما تتناقله وسائل الإعلام من مبالغة، وتهويل، وتضارب لظهور أي عوارض مرض جديد، معتمدة على حكايات الناس الشعبيين، ومخاوفهم غير المبررة، أنها خسرّت سهيلة حتى الآن بلداناً كثيرة، بسبب جنون البقر مرة، ومرة بسبب أنفلونزا الطيور، ومرة بسبب الحمى المالطية، ومرة بسبب الحمى القُلاعية، أما حمى تصدع الوادي، فهي احتياط عندي لأي بلد، لا أودها أن ترافقني إليه، وهي من النوع “الفروق”، خاصة إذا كان فيها “معاطس” وحمى، و”لواع” وعوارض الوحم والحمال، وهي أمور قالت منها التوبة من زمان، وبالتالي ستلبد، وتلوذ بالصمت، وستقترح من خاطرها: “أن هذا الصيف شو رأيك يا أبو عيالي ما نسافر، ونروح نقيّض عند أهلك في العين، ونطّاعم من خرايفها”. فتبرق عيني بالفرح حينها، أن لا خسائر زائدة، وأن هناك أملاً بالطيران وحيداً، بجناح بعيد، والعذر دائماً موجود “عَلّقها في رقبة عالم وأظهر سالم” ونحن نعرف كيف وبمن “نعلّقها” وحريمنا، من يسمعن “والله.. جاءنا أمر بالتحرك”، فيعرفن لا أحد يخالف رأي وشور “واليه”، فيكفيها أن تضلع، وتعرج يومين فقط، وستقول لك: “روح الله يحفظ، بس لا تبطيء علينا عاد”! مشكلة سهيلة “العوفة” - والعوفة هنا راجعة للمشكلة، وليس لسهيلة، إلا إذا اعتبرنا سهيلة مشكلة- على كل حال، من تسمع أن هناك مرضاً انتشر في بقعة، ولو كانت في أقاصي الصين أو أبعد من المكسيك، تظل تتشكى من عوارض هذا المرض الذي قرأت عنه في الصحف، وسمعت عنه في الأخبار، تبقى “خاصرتي تعورّني.. أو أنس عظامي متبريده”، فتضيف سهيلة وجاراتها أعراضاً جديدة لحمى الخنازير لم تظهر على المصابين في المكسيك، وكثيراً ما أزيد وساوسها: “تدرين.. الله يكفي المسلمين الشر، يقول لك هاي حمى الخنازير من تنشب في الواحد ما تفجّه، إلين يتيبس ظهره، ويازم جلده مشعرّ مثل الشوج، وتالي ينجلب على شيفة ذاك الماهوب”. فشعرتُ أنها بدأت تسخن، وتحمّ، وعينها اليسرى ترف، وصارت أصغر، فضحكت، وقلت لها:” ها.. شو.. ريلي على ريلك إلى المكسيك، وإلا التوبة”! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com