كنت في حي الزمالك لقضاء أمر من الأمور. وعندما فرغت سرت على رصيف الشارع العريض في اتجاه سيارتي. واستوقفني منظر كتب ومجلات وروايات مفروشة على الرصيف؛ فأخذت أتأمل العناوين، وأغلبها لروايات صادرة عن دور النشر المصرية، ومعها ما يماثلها من دور النشر اللبنانية، وظلت عيناي تستعرضان العناوين إلى أن استوقفني عنوان كتاب، تشككت فيه، فقلت للبائع الشاب: ما هذا الكتاب؟ فقال لي: هذه رواية عنوانها "رجوع الشيخ إلى صباه". وكان وجهه بريئا لا ينبئ عن أي معرفة بالكتاب سوى عنوانه الذي نطقه كغيره من عناوين الروايات بلا فارق. وحملت الكتاب بعد أن دفعت ثمنه، وعدت إلى المنزل فوجدته طبعة حديثة للكتاب القديم الذي له ذكريات لا تنسى في سنوات مراهقتنا؛ فقد كان من الكتب الممنوعة علينا، وكانت طبعته القديمة نتداولها بيننا بوصفها من المحرمات. وكان الكتاب ممنوعا من النشر، تعاقب قوانين الآداب من يقوم بنشره لأنه كتاب من كتب الجنس الفاحش. والحق أن الكتاب طبي، وموضوعه علاج الضعف الجنسي عند الرجل. وهذا قسمه الأول الذي يحتوي على أنواع لم تعد معروفة من الأعشاب والبذور لعلاج الضعف الجنسي للرجل والمرأة على السواء. أما القسم الأخير من الكتاب فهو علاج نفسي يضم عشرات من القصص الجنسية المثيرة التي يفترض أنها تهيج الشهوة. وطبعا لم يعد لمثل هذا الكتاب أهمية عند أجيال شباب تكنولوجيا الكومبيوتر والآي باد التي تعينهم على مشاهدة كل ما لم نكن نحلم نحن أن نشاهده من أفلام الجنس بكل أنواعها، بل حتى التواصل الجنسي بين الشباب والشابات رغم بعد الزمان والمكان، وأتاحت من ألوان الثقافة المباحة وغير المباحة ما لم نكن نتخيله نحن في زماننا. هكذا كان من الطبيعي أن تختلف الثقافة الجنسية باختلاف أدوات الاتصال والتوصيل، وأن تصبح المحرمات التي كنا نسأل عنها من قبيل الفضول في الثمانينيات مباحات مع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خصوصاً بعد أن أصبح الموبايل الصغير يحتوي على ميزات الكومبيوتر. ولذلك فأنا لن أستغرب أن الشاب الذي اشتريت منه الكتاب لم يسمع عن "رجوع الشيخ إلى صباه"؛ لأنه لن يحتاج إليه أو إلى أمثاله، فيكفيه الـ(IPad) وما لف لفه، وكذلك الموبايلات التي أصبحت أجهزة كومبيوتر صغيرة. وأرجو أن لا يفهم أحد خطأ أنني ضد وسائل الاتصال الحديثة، فقد أصبح وجودها حيوياً وحتمياً في حياتنا، ولكنها في النهاية يمكن أن يستخدمها الإنسان ليرتقي بوعيه ويوسع مداركه، وقد يستخدمها ـ إذا شاء ـ في كل ما يناقض ذلك؛ فالمعول في النهاية على تربية الأسرة ونوع الثقافة التي ينطلق وعي الشاب منها. لكن المؤكد في النهاية أن ثقافة شباب هذا اليوم أفضل عشرات المرات من ثقافتي التي كنت عليها في مطلع شبابي من القرن الماضي.