سألني احد الحضور ما رسالتك الى المجتمع؟ فاكتفيت بعدم الجواب البيّن الظاهر، لأن المثقف بكل قيمه ومبادئه المكتسبة رسالة نموذجية للمجتمع وسيرة ذاتية للحياة، لأنها المحتوى الأمثل لمعظم المفاهيم الثقافية الماثلة والراقية بالمجتمع نحو الأفضل.. رسالة ذاتية وفكرية ينظر اليها المجتمع من عدة جوانب، لذا على المثقف ان يلتزم بالصورة المثلى من التعامل ومن وضوح الرؤية ومن تجلي المسافة بينه وبين ومحيطه الذي يشغله واللحظة التي يمر بها. عمدت إلى ربط رسالة المثقف وأهميته في البناء المجتمعي، كون الحديث العام حول المثقف الذي يخرج عن نطاق الأمانة الفكرية والمعنوية وينسحب نحو أهوائه الشخصية متناسيا ارتباطها الوثيق بالمجتمع وانصهاره فيه باعتباره من الشخصيات المثلى النابعة من المصطلح العام الذي يؤدي الرسالة على أجمل صورة. وفيها نرى ايضا رؤية المثقف او الأديب الخاصة والجامحة نحو ذاته. أحيانا لا يمكن ان ينفصل الأديب عن أهوائه وخيالاته، ولا يبتعد عن مسافات أحلامه التي من شأنها أن تعصف به في الواقع المرير، فالشاعر الذي يرى العالم من خلال رؤيته الخاصة باحثا عن مملكة خيالية يتربع على قمتها مفتشا عن أناس يسكنهم الولاء لذاته ولكل قوافي شعره، يجيّشهم لحضور أماسيه ويرغّبهم بالمال وبالهدايا، يفرز لنفسه المناسبات والأماسي الخيالية، باقات الورود العطرة والمكلفة، والموائد ما لذّ منها وما طاب، يود لو تسجل الشوارع باسمه لكنه يكتفي بقاعة، يود لو تترجم أعماله لكل لغات العالم وكأنه ليس هناك سواه. يود أن تزخر كل المطبوعات باسمه وتعنونه باللون الذهبي، ويود أشياء خفية لا نعلمها ولم يبق سوى ان يتقلد عصا ويلبس كوفية ويسير مختالا نافيا كل من لا يحضر او كل من لا يواليه قاطعا بينه وبينهم صلة الثقافة وكل القيم الأدبية والروحيه. هنا يبتعد كثيرا المثقف عن مداره الثقافي وعن هموم المهنة لأن الأضواء باتت تحرق أوراقه وتحيله من مبدع حق الى مهرج، فيصبح مبدأ حياته الناس والمال، ويفرغ من محتواه الثقافي تماما.. هنا يسقط المثقف من انتماءاته الفكرية ويخسر المجتمع الذي يعول على رسالته المحاطة بمفاهيم الوعي الثقافي. وهنا يفتقد بناءه الثقافي ومكونه في لحظة لأن حياة المبدع على ارتباط وثيق بمبادئه. تحدثت عن رسالة المثقف لأنها اصبحت تأخذ منعطفا مهما من الحياة تجاوزت كل المبادئ وأزاحت الستار عن وجوه بدأت ملامحها غريبة نوعا ما، كونها باتت تشرع الأهواء الخاصة وتنسج حولها المصادقة بل تمنحها الأهمية التي لا تستحقها، هذا التشريع الهجين بين المبدأ واللامبدأ.. ولا نود ان يستفحل الأمر وان يأخذ جوانب أوسع من حياة المثقف، فرسالته يجب ان يشملها الوضوح، فلا تقبل المساومة على المبادئ وعلى بعض المؤسسات الثقافية التي هي ثمرة المبادئ العامة.. لذلك لا نودها أن تنجرف خلف السياق الخاص مهما بلغت هذه الشخصية او تلك الشخوص.