الاعتداء على الطفولة، هو اعتداء سافر غادر ماكر عاثر فاجر على الحق والحقيقة، وهو انتهاك للبراءة وسفك لدماء طاهرة، ومحاولة يائسة بائسة عابسة، لتشويه وجه الكون وتسويف الإنسانية.
ملالا الطفلة التي اعتنقت “إرادة القوة”، واقتحمت أسوار الظلم والظلام والضلال، وقالت كلمتها من دون مواربة أو حكاية مزينة بتعابير الدبلوماسية والمحسنات البديعية، تستحق من العالم أن يقف أمامها إجلالاً، وأن يرفع الدعاء لها بالشفاء، لأنها واجهت الكبت بلسان الشفافية، وقابلت التزمت بفكر العافية، وقالت ما لم تستطع قوله أمم وشعوب، لأنها طفلة انطلقت من شرنقة البراءة، مبللة بزلال النقاء، مكللة بسؤال الصفاء، ولم تنتم إلى حزب أو طائفة، وإنما كانت شريعتها الدين الحنيف الذي أعطى الإنسان حقه في البوح بلا ريبة، ومنح المرأة حرية إبداء الرأي، لأجل الحفاظ على الكيان والأوطان، ولأجل رفع راية الإنسان من دون بلواء ولا شنآن، لأنها حقيقة التكوين البشري وأصل الجبلة، بأن يرفض الإنسان الظلم والطغيان من أي كان، حتى ولو لُبِّس بالدين جوراً وبهتاناً، لأن الدين الإسلامي دين السماحة والرجاحة، دين الرحمة والتعاضد بين الناس، لأجل حماية الأوطان من كل غث ورث، ومن كل زائف وراجف ومسف ومستخف.. ما أصاب ملالا يثبت للعالم أن عناصر الكراهية لا يهدأ لها بال، ولا يسكن لها خاطر، طالما هناك في الكون يسكن عقل مستنير، وقلب محب للحياة، وهذه سُنة الحياة، الظلام فعل مضاد للنور، والظلم تيار معاكس للعدالة، فكيف يمكن لطالبان أو غيرها من جهات القتل، أن تعترف برأي أو تتصرف برؤية، طالما غطّت هذه الجماعة وغصّت في غياهب المجهول، وعاش في أذهانها شيطان الإقصاء والإلغاء، فهؤلاء لا يفرقون بين رجل أو امرأة، ولا يميزون بين صغير أو كبير، هؤلاء يقولون دوماً، نحن ومن بعدنا الطوفان، هؤلاء لا يؤمنون إلا بالطغيان، ولا تمشي أقدامهم إلا على النيران، ولا يطأون إلا كهوفاً من بهتان، فكيف لهم أن يسامحوا ملالا أو غيرها من بنات باكستان، ولكن مهما بلغ هذا الطوفان، فإن ملالا تحفظ في مخيلتها آلافاً من “ملالا”، هؤلاء هن شعلات النهار الإنساني، هؤلاء هن شمعات الازدهار البشري، فلا التخويف ولا التسويف ولا التخريف ولا التحريف يمكن أن يطمس وجه الحقيقة، وسيبقى أطفال باكستان هم الراية والغاية، هم الحكاية التي ستبدأ منها قصة التخلص من براثن البغي والعجرفة، هم طريق باكستان وكل إنسان في أرجاء العالم، نحو التصالح مع النفس ونحو فهم الحياة من دون غشاوة، أو وشاية، ونحو صياغة نسيج إنساني نقي معافى من أدران وأحزان وأوهان وامتهان.
ملالا ستولد من جديد من رحم إنسانية، لا يكف نسلها عن إنجاب النجباء والنبلاء والأوفياء، لدينهم وأوطانهم.


marafea@emi.ae