هل يمكن إذا تغيرت الأحوال وانقلبت الموازين والأيام، أن نحلم بعودتها إلى سابق ما كان ؟ إذا انهارت الدول ووضعت الخرائط وأعيد تقسيم البلدان ووزعت الدول إلى كانتونات وأقاليم قائمة على أساس الطائفية والمذهبية والعرقية والأثنية، فماذا ننتظر وأي مستقبل لهذا الوطن الذي كنا نسميه عربياً وكبيراً وعظيماً؟ لسنا يائسين ولا محبطين ولا متطيرين بل أكثر، لأن ما يحدث حولنا مرعب بكل المقاييس، ولأن زوادة الأمل والثقة بقدرة هذا الوطن العربي على البقاء والمقاومة بدأت تنفذ لهول ما نرى ! تلك حقيقة لا نستطيع المكابرة حيالها للأسف وإن كنا نصحوا كل يوم نرش على قلوبنا مزيداً من قطرات الأمل ونمضي !
وزير الدفاع المصري حذر بالأمس من انهيار الدولة في مصر، أهذا ما كان يتمناه من يسمون أنفسهم بالإخوان المسلمين بوصولهم للسلطة ؟ كانوا يريدون الانتقام من الدولة التي لطالما زجت بهم في السجون والمعتقلات فخططوا وطال تخطيطهم حتى وصلوا بغباء الديمقراطية إلى سدة السلطة فأمسك كل بمعوله وأخذوا يهدمون دولة فاخرت الدنيا قرونا بحضارتها وثباتها وتماسك بنيانها الاجتماعي الداخلي، سيقولون هذا افتراء وتجن، وسنقبل كلامهم وسنرد عليه : فمن أوصل مصر لهذا المنعطف الكارثي ؟
لا شيء أبشع من التطرف في أي أمر من أمور الحياة، بدءا بالدين وانتهاء بأتفه الأمور، فما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، وما نزع من شيء قط إلا شانه كما قال رسولنا الكريم، وها هو الرفق قد نزع من كل شيء : من السياسة والحكم والمعاملات الحياتية والعلاقات والحرب والسلم وحتى من الحب والزواج، لا يبدو لدى الإنسان أي رغبة في الرفق أو الحلم أو سعة الصدر، فالناس ملأى بالقهر والفقر والعوز واليأس والحرمان وانهيار الأحلام، هذه الانهيارات التي توالت على أرواحهم وقلوبهم وأجسادهم طيلة سنين واحتملوها، جاء من فجرها وجلس يقرأ على حرائق الانهيارات تعاويذ الدين الذي هو براء مما يحدث ! قرأنا في التاريخ وعرفنا يقينا وآمنا طويلاً أننا أبناء أمة تحمل في داخلها جينات بقاء عصية على الهزيمة والتلاشي، أمة حفظها الله لأنها حفظت رسالات السماء وحضارات الإنسان، أمة لطالما احتفت بالحياة والبناء، أمة سافرت إلى أصقاع الأرض حاملة الأبجدية والكتب وعلوم الجبر والطب والورق والشعر والتصوف والنخيل والضوء والمرايا، أمة نثرت على كل الدنيا قصصا لا تنسى للعشاق الكبار، والفاتحين العظام، والرحالة والفلاسفة وبناة الدول وطلاب العلم وأصحاب الطموحات وطلاب المجد، تاريخ زاخر بالأنبياء والرسل والكتب السماوية، وصليل السيوف وحفيف الملائكة، والمعارك والنساء العظيمات والجميلات والرجال العظام ولأبطال الذين لا يشبههم أحد، فكيف يتم العبث بكل هذا وأمام أعيننا وكل يوم منذ استبيحت بغداد في أبريل من العام 2003 ؟
إننا نسرق كأمة، وننهب كوطن عربي كبير، وننتهك كشعوب وكدول، بينما لا نفعل شيئاً سوى الفرجة، والقهقهة والحوقلة ثم نمضي بحسرتنا إلى وظائفنا وأطباق طعامنا وأسرتنا لا نحرك ساكنا، ولو بأضعف الإيمان؟ إن انهيار دولة كمصر خبر أشبه بقنبلة هيروشيما على الوطن العربي كله، فأرونا يا من تحكمون مصر كيف ستفعلون أمام هذه الكارثة ؟ ويا أهل الرأي والإخلاص في مصر كلنا ننظر إليكم بانتظار بزوغ نجمكم وأفول نجمهم عل الفرج قريب، فأرض الكنانة التي دعا الله لمن يدخلها ويسكنها بالأمان تصرخ طالبة أمانها منكم !


ayya-222@hotmail.com