تجلس في زاوية مطعمٍ فرنسي وتسرح في تفاصيل الوقت. فتاة ينتهي عندها الجمال وتتسكع عند رجليها همسات البشر وظنون لها فنون. اقتربت وعبير منها وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى عندما رفعت عينيها إلى سقف السماء وارتجلت للترحيب بقدومنا، فيما جلست بخجلٍ وحياء تأكل من أطراف صحن السلطة وترسل تعليقاتها على الحديث بين الفينة والأخرى. شاركناها لقمة حسمت أموراً كثيرة وشعرت بعد ذلك بدقيقتين بأننا صديقات منذ زمنٍ عشقت فيه أرجلنا الحافية رمضاء بلادنا، وهو زمنٌ يبعد عن قيام الاتحاد بمسافات طويلة المدى حددته فطنة «أم سلطان» لاحقاً عندما قالت: «والله ياعَـيِشّْة نشعر وكأننا نعرفك لأكثر من أربعين سنة». ودارت بيننا الأيام حتى جمعتنا الغربة في تفاحة الدنيا فضربت صداقتنا في الأرض جذوراً حتى ألفت روحي لقاء هؤلاء الأحبة؛ فقد أحيوا مشاعر الحب والشوق وما لا ننسى وحتى لا نتذكر من ذكريات أهلنا وماضينا المشترك. ويتباهى من يعرف «أم سلطان» فمجلسها في منتهى الرقي والتحضر يجمع بين تلقي العلم، مشاركة المعرفة والارتحال بين الماضي والحاضر بلا تحفظات أو تردد. وفي حضرة «أم سلطان» يعرف المرء قيمة الهدوء والسكينة والرزانة والثقة بالنفس فتجلس ولسانها في ذِكرٍ دؤوب لا يقطعه سوى استبدال القرآن بالمسباح والسؤال عن الشمس وزوالها لتكون الفروض في أوقاتها. وبعد الصلاة تجلس في موقع استراتيجي يجمعها بحاضري مجلسها والعالم الخارجي الذي تدق نواقيسه وأجراسه، فتصلها محتوياته عن طريق الإنستجرام والمواقع الاجتماعية مثار اهتمامها. بقربها تجلس ميّ التي تغزل أصابعها حكماً من الماضي بصيغة الحاضر، وكأنها تعالج موقف الحياة السيارة بالغزل مستندة إلى المثل الشعبي «تغزل ميّ والركاب تسير». أما «الشخصة» حصة بنت سالم فلم يكن لها مكانٌ محدد سوى في قلوبنا وصلاتنا، فقد كانت تمشي أو تجلس هنا أو تقف هناك ثم تختار شيئاً آخر. هي كفراشة في بستان نخاف عليها ونفديها بقلوبنا ونتطلع ليومٍ نمارس فيه الذكريات لنضحك ونبتهج والله على كل شيء قدير. لقد بشرتني معرفة «أم سلطان» ومن حولها بأن أهل الإمارات «ما حد حولهم... ولا عليهم زود»، وهم مثال حي لصورٍ تعكس نقاء قلوبهم وخوفهم من الله وعدلهم ومساواتهم ومعانيهم وإنصافهم لأنفسهم وللآخرين. والأهم من هذا كله ما تعزز في ذهني عن أسلوب إيمانهم وتمسكهم بتفاصيل بالدين الذي يقوم بدور الرئيس والمحرك المحوري في تقواهم وممارساتهم اليومية لما هو خير ويدفع البلاء. وتأكدت بيقين قلب المؤمن أن الابتلاء من الله والمحبة منه والدعاء له والشفاء بيديه. وعندما حلقت بنا طائرة تعود بنا للوطن رفعت يدي تضرعاً لله وسألته أن يدحض الشر ويحفظ لنا حصة، وعيني حصة وابتسامتها التي نود أن نراها لنتأكد من وصف وصفة «الرتاتي» وبياض أسنانها. ودعتهم مثقلة بالدموع ومدججة بالآمال وما جاش به القلب ودعاء يناجي المولى: «اللهم زدنا حباً فيك وفي وطننا وأهل دارنا». ??? للعارفين أقول: الإنسان ضعيف والله القوي ومن الحكمة أن نستعيض فننبذ الحسد والبغضاء والنميمة إذ جاء وقت المحبة والجمال.. ومن «فراخ الهوا» أختار لكم بيتاً ينطبق على حصة بنت سالم حفظها الله. «الزين نطرب له ونشتاق لو مالنا في الزين مصروف». bilkhair@hotmail.com