فوز القاصة الكندية أليس مونرو بنوبل الآداب هذا العام كان مناسبة للتذكير بأن القصة القصيرة التي أنفقت مونرو حياتها الأدبية في ممارستها هي نوع حي من أنواع السرد، لم يمت كما قيل ذات مؤتمر أدبي عربي، وأن مكافأة القاصة في المقام الأول هي تصويت وانتصار للقصة القصيرة كنوع كتابي، ولذا لم يخل تعليق أو خبر في العالم عن الجائزة من تكرار ذلك. وكأن ثمة تواطؤاً صامتاً كان سائداً بين القراء والكتّاب مفاده بأن القصة القصيرة مهمَّشة ومقصاة، بل تعاني من عنت أو تسلط الرواية: الأخت الكبرى في عائلة السرد، والتي حظيت برعاية وانتشار وتجدد، لم يسبق أن حظيت به خلال عقود كتابتها الماضية. البهجة بالجائزة إذن تخطت حدود شخصية الكاتبة وتعدتها إلى ما تندرج تحته مجموعاتها القصصية التي بلغت الأربعة عشر إصداراً. إصرار على كتابة القصة القصيرة التي أسندت لها في تصريحاتها عقب الفوز كثيرا من المزايا واعتبرتها رسالتها التي أخلصت لها خلال أكثر من ستين عاماً من أعوامها الاثنتين والثمانين. لكنّ كثيراً من المفارقات حملها فوز مونرو دون سواها هذا العام الذي خفتت فيه التوقعات والترشيحات العربية وظهر بعضها بخجل وتواضع وقليل من الأمل. تداولت الأنباء المبكرة أسماء مرشحين مثل كويليو وأمبرتو إيكو وكونديرا وموراكامي وأمين معلوف ـ بكونه يكتب بالفرنسية كي لا نعلل خيبتنا بما ليس واقعاً ـ لكن المرأة الكندية أو سيدة القصة القصيرة المعاصرة أو تشيخوف العصر الحديث غلبت كتّاب المأثورات السردية العالقة في الذاكرة: "الخيميائي" و"اسم الوردة" و"خفة الكائن التي لا تحتمل" و"كافكا على الشاطئ" و"ليون الإفريقي" على التوالي. وقطفت الثمرة النوبلية التي صارت جزءاً من الحِجاج والتزكية وسط الجدل حول حياة الأنواع الأدبية وموتها أو سيادتها وأولويتها. وفي التوصيف التشيخوفي أو التركيز على واقعية قصصها وريفية أجوائها ما يحمل مفارقة أخرى. فالنزعة الواقعية في الكتابة السردية كسبت دفقاً معنوياً باهراً وسط لجّة النزعات التحديثية في السرد ولافتات ما بعد الحداثة، والدعوة للعبور إلى النص الذي تنصهر فيه الأنواع وتتلاشى مزاياها الذاتية. ومن المفارقات التي يتكرر ذكرها في تعقيبات الكتاب على فوز مونرو كونها المرأة الثالثة عشرة التي تفوز بالجائزة إشارة إلى ضآلة عدد الكاتبات والشاعرات في سجل نوبل، وفي سجل بلدها هي الثانية بعد سول بيلو المنقسم أميركياً وكندياً بسبب إقامته في الولايات المتحدة بل عدها البعض الأولى لشهرة بيلو كأميركي. مفارقة الفوز التالية تتعلق بعمر مونرو الذي جلب لها كمية من الأمراض التي تعالج منها، وستَحول كما يبدو من دون حضورها مراسيم تسليم الجوائز، فكأن ذلك قدر آخر للقصة القصيرة أن تكون إحدى أعمدة كتابتها متغيبة عن الحفل، شأن القصة القصيرة ذاتها التي تنزوي عن الواجهات كتابةً ونقداً وقراءة. لكنْ انتعاشها بمناسبة الجائزة سيعيد اعتبارها ويمنح مناصريها مستنداً آخر على فاعليتها وحيويتها، وحضورها في متن السرد لا على حواشيه أو هوامشه.