كلما أعلن العلماء عن اكتشاف علاجات جديدة للأمراض المستعصية برزت أمراض جديدة لم تكن في الحسبان، وكما يتطور كل شيء حولنا تطور الفيروسات والميكروبات نفسها وقدراتها، فتبدو وكأنها عصية على العلاج أو غير قابلة للاندثار، نحن نعيش عالماً يموج بالتحديات الكبرى وبالإشكالات المستعصية، في الطب والبيئة والمناخ والحروب والغذاء وغير ذلك كثير، فقدرات الإنسان في حالة تحد مستمر لمواجهة هذه التحديات وكل ما يجعله آمناً مستقراً يبدو وكأنه مهدد بالخطر، والمصيبة الكبرى أن كل ما نعانيه هو من صنع أيدينا، «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ...» يقول الله تعالى، فالبعض يفجر الحروب ولا يعجز عن وضع نهاية لها فحسب، لكنه يملأ الفضاء بالأمراض التي لا تخطر على البال!
إن هذه الحروب التي عصفت بإقليم الخليج والمنطقة العربية خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، قد تكفلت بتعطيل مسيرة مدن كانت على قمة الصدارة في التقدم العلمي والحضاري كالقاهرة وبيروت وبغداد وغيرها، بينما تفشت في المقابل أمراض غاية في الخطورة، بسبب ما صاحب تلك الحروب من استخدام محرم لأسلحة وقنابل كيميائية وجرثومية كانت تجرب على سكان المنطقة بشكل خال من الإنسانية والأخلاق، وهاهي النتائج تظهر اليوم على الأطفال والنساء في شكل سرطانات عصية على العلاج، أو تشوهات ذهنية وعقلية أو أمراض لا تفسير لها، بحيث يقف الأطباء حائرين أمامها. إن الإنسان الذي يفعل المستحيل لينال السعادة والخلود يفعل كل شيء ليدمر الحياة والسعادة في الوقت نفسه وهنا تكمن المفارقة الكبرى!
علينا اليوم أن نعترف بأننا نعاني كغيرنا من دول العالم من تفشي أمراض لم تكن شائعة أو معروفة في السنوات الماضية، والسبب يرجع إلى التغير الكبير الذي أصاب نظام الحياة العام وتفاعلاته، فالأطعمة قد أصابها خلل في تركيبها الجيني بسبب طفرة الهندسة الوراثية واستخدام الهرمونات التي أصبحت توظف لإنتاج أكبر وأرباح أكثر، في حقول الخضراوات والفواكه واللحوم وغيرها، وهذا الخلل ينتقل تلقائياً إلى أجسادنا لتختل كل أنظمتها وخلاياها بالمقابل، والنتيجة المزيد من الأمراض، دون أن نغفل التلوث البيئي ودخان المصانع وعوادم السيارات، واختلال المناخ وثقب الأوزون وتناقص الماء وتطور الأسلحة الكيميائية و.... ومن ثم المزيد من الأمراض!
إن أكثر من يعاني من ذلك هم الأطفال، أكثر البشر ضعفاً وقلة حيلة وأكثرهم أهمية وضرورة للمستقبل، وعليه فنحن في الإمارات بحاجة إلى مستشفيات متخصصة في أمراض الأطفال، ولدفع المزيد من أبنائنا وبناتنا لدراسة كل تخصصات الطب التي تعنى بأمراض الأطفال الوراثية والمستعصية والنادرة، كما نحتاج من الدولة عبر مؤسساتها الصحية إلى أن تخصص ميزانيات محترمة لكل هذا الاستثمار، لأنه استثمار للمستقبل نحن بحاجة إليه اليوم وبحاجة ماسة إليه في المستقبل، فنحن دول شابة يشكل الأطفال والشباب أكثر من 60% من عدد السكان، ولمستقبل أفضل لابد من إعداد أجيال خالية من الأمراض قدر المستطاع!
نحن نفتقر لمستشفيات حكومية متخصصة للأطفال ووفق أجود معايير الصحة والتقدم العلمي، ولذا نضطر لعلاجهم في الخارج ما يشكل عبئاً مضاعفاً على الدولة، كما أنه يتيح للبعض الحصول على هذا العلاج بينما يعجز آخرون عن إنقاذ أبنائهم، لذا نحتاج لأن ننظر في هذه المسألة بشكل استراتيجي وأكثر شمولاً!



ayya-222@hotmail.com