لا أدري لماذا عندما أشاهد مسلسلاً عربياً، أشعر وكأني أجلس في حفل جنائزي يثير الفزع، ويخطف ما تبقى من فرح.. الصراع المدوي يهز جدران القلب، كما يرج وشاح الروح، ويبدد السكون في النفس.. وعندما أسمع هذه المفرقعات، أتلفت نحو الأطفال والكبار، وأشاهد على وجوههم ملامح الدهشة، وأحياناً الفزع، لأن الممثل الفلاني ضرب بقبضة يده طاولة الطعام، وقال لزوجته الممتلئة بمعجم الألفاظ البذيئة: كُفّي عن الثرثرة يا امرأة، أريد أن أرتاح، لقد سئمت هذا الهرج والمرج، ومللت مضغ الكلام، المعاد والمكرر.. وتفتح السيدة المحتجة عينيها ولا تغلق فاها، ويبدأ الصراع الأزلي، ممتداً ممتداً، مبدداً السكون، ولا ينتهي المسلسل وإلا وتغسل شاشة التلفاز دموع الزوجة المنكسرة أو المتوتر، وبعد الانتهاء من حفل النساء الأخير تتنفس الصعداء، وترخي جناحك، على المسند وتتمنى لو أنك اتخذت قرارك، وفضفضت جملة، وسلكت سلوكاً، لا ينقصه صراع الباع والذراع في المسلسلات. لم يعد هناك فناً، ينثر السعادة، ويفرش سجادة السعادة، وربما يقول قائل إن الواقع العربي يدفع بالتي هي أسوأ، وفاقد الشيء لا يعطيه.. قد يكون ذلك مبرراً لليائسين والقاطنين، والحانقين، والبائسين والمحبطين، وربما الحقيقة فإن دور الفن هو إبداع اللحظة السانحة، وخلق واقع يغسل دموع الناس بلقطات هي أشبه برذاذ المطر الذي يشفي عليل الأشجار اليابسة، ويبلل ريق الأرض بعد شظف طويل. الفن يجب أن يكون الفعل المضاد لكل ما يحصل في منطقتنا وأن يكون السلوك المغاير، لأجل إنسان يخرج من مستنقعات الانحطاط، إنسان يدلف إلى باحة واقع، يدحض كل مراوغات الذين يريدون أن يعيدوا الإنسان إلى مراحل ما بعد الفراغ الوجداني وإلى مناطق سوداوية، عدمية عبثية. الفن له دور غير الأدوار القابعة في محافل البؤس، ورجس الصراعات البدائية والتي لا تمت بصلة إلى عصر الابتكار ومسبار العقل الإنساني الذي تجاوز هذه البدائية إلى مراحل الانفتاح على عوالم زاهية، متفائلة متواصلة مع رغبات البشر وما يصبون إليه من تقدم وازدهار مستفيدين من التقنيات التي سخرت لأجل مزيد من صناعة نفس بشرية صافية من الرواسب.