لطالما شكل العمل الثنائي في الفن والثقافة العربية ظاهرة مبدعة، وقد لا تتكرر، كما شكل العمل الذي يقوم على “الأخوين” شيئاً متفرداً في تاريخ الصحافة العربية، وهنا في الإمارات حظينا بعمل ناجح ومماثل يقوم على نهج وتفكير وتدبير “أخوين” تريم وعبدالله عمران تريم، لقد عاشا كتوأمين.. تربيا ودرسا وتغربا وعملا وأسسا لصحافة وطنية في الخارج والداخل، وتقاعدا معاً.. تقاعدا من وظيفة العمل، لا من العمل الذي نذرا نفسيهما له، ونذراه للوطن، غادرنا “أبو نجلاء” قبل سنوات، ونحن نعد، هكذا دون أن يتمكن من توديع أصدقائه الكثر في جهاتهم الأربع، ومنذ تلك اللحظة لم يعد “أبو خالد” كما كان أيام وجود شقيق الروح، وتوأم الحياة تريم، كنت ألتقيه بين الحين والآخر هنا، وهنا، وهناك، غير أن شيئاً كان منطفئاً، أو أن ثمة ضياء وضوءاً فر بين الأصابع، كنت أحاول أن استقرأه، هل هو تعب الجسد من حمل الروح العالية والمتوثبة؟ هل هي الحياة في خريفها الرمادي؟ هل هو وداع أصدقاء العمر، أتراب الحياة، والذين ترجلوا واحداً إثر واحد، هنا وهناك؟ كان ثمة انطفاء غير معلن، لكن القريب قادر على قراءته من بين ثنايا الأشياء، وأن شيئاً مختلفاً غاب بغياب تلك الضحكة، وذلك الحضور “التوأمي”! “أبو نجلاء وأبو خالد” يعييني غياب الناس الذين قدّوا من تعب وعمل الأولين، ويعييني غياب الوطنيين، ويعييني كثيراً غياب المخلصين والشرفاء، ويعييني أكثر، وبمرارة، الخوف من غياب حلمهم الحياتي والنضالي، كمشروع للوطن الصغير، والوطن الكبير، والإنسان في أمميته النبيلة، كما أعياني من قبل غياب “تريم”، وكما أعياني من بعد غياب “عبدالله”، وأخاف، ولأشد ما أخاف أن أودع “خليجي” تلك التي كانت دوماً كشقيقة كبرى في البيت، لها عطرها الذي يشبه القهوة والهيل وأكثر، ولها حضورها كنخلة تؤنس الأركان والمكان وأكثر، كانت دوماً تأخذني للجهة الخامسة، حينما تكون الجهات الأربع مضللة، والهدف النبيل تائه في تقاطعات الطرق، وأبعد! كنت عندما ألتقيه، يحضر معه تريم في إطار الصورة الأخيرة التي رأيته فيها، وحين أودعه، وكأني أودع الاثنين معاً، واليوم تطوي “الخليج” بسوادها المعتاد، والمتعمد، الصفحة المقابلة بغياب “عبدالله”، بعدما طوت صفحة “تريم”، جاعلة من صدى صوتهما، وجلال حضورهما الاذن بدوام حركة تقاطع الحبر والورق، معطية لصباح الناس الذين اعتادوا أن يكون صباحهم مختلفاً بها ومعها. لا عزاء لهذا الغياب.. لكنه يشبه تمني الصحفي مرات.. ومرات، في عز وجعه “الصحفي”، وفي عز الانكسارات المتكررة، والهزائم العصيّة على الفهم، أن يكون بائع ورد في حانوته الصغير، يكتفي بقراءة صحيفته وسط وروده الملونة، والمبللة بالندى وفرح الحياة القصير! اللهم اجعل وجه “أبو سلطان” مشرقاً بنورك، فرحاً بحبورك. amood8@yahoo.com