هذه المشاهد تمر بنا جميعاً، ليس هناك من لم يرها في بيته أو في أي بيت من بيوت أقربائه أو أصدقائه: المشهد الأول: في بيت العائلة الكبير، أو في بيت الأم، يأتي الأولاد الكبار بصحبة زوجاتهم وأبنائهم لزيارة والدتهم أو والديهما، بعد السلام والقبلات. . وكيف الحال وإن شاء لله بخير واشتقنا لكم، يتخذ الجميع أماكنهم في غرفة الجلوس، بعض الشباب الصغار يتابعون مباراة في كرة القدم تنقل على الهواء مباشرة للنادي الذي يشجعونه ويصرخون وكأنهم وحدهم في المكان، وفي النهاية يرد أحدهم على هاتفه ليقول لصديقه «اعذرني أنا في بيت الوالدة، تعلم اللقاء الأسبوعي للعائلة»!! المشهد الثاني: بعد وفاة الأم، يصطحب الأبناء أطفالهم وزوجاتهم، لزيارة والدهم الذي أصبح وحيداً يتجرع قسوة الوحدة ورحيل رفيقة العمر، حيث يصبح العمر عقاباً والشيخوخة عذاباً والوحدة لا تطاق، يفترض بالأبناء أن يخففوا من هذا كله، هم أيضاً يعانون ضغوط الحياة ومشاكلها، لكنهم يتمتعون بخيارات كثيرة لا تتوافر لوالدهم العجوز الذي يتوقع أن يمنحوه قليلاً من البهجة والمؤانسة بحضورهم، لكن الذي يحدث أنهم بمجرد وصولهم وبعد السلام وكيف الحال وأخبار الصحة و. . . يجلس كل واحد في ركنه ويخرج هاتفه الذكي ليتوحد معه في علاقة تنسيه الدنيا وما فيها، في الحقيقة لقد كان منسجماً يؤدي واجب التواصل مع أشخاص افتراضيين، أما والده وإخوته «فلا حق عليهم»، يقول أحدهم معترفاً لمن يعاتبه «بصراحة نحن نأتي لأداء الواجب لا أكثر»، موافقون، لكنكم حتى الواجب لا تؤدونه بشكل صحيح! المشهد الثالث: بعد أسبوع مملوء بالدراسة والعمل والجري في كل الاتجاهات لتدبير أمور العمل والبيت ودراسة الأولاد، تقرر الزوجة اصطحاب أبنائها للسلام على جدهم وجدتهم لتوطيد العلاقات، لا توصيهم ولا تعلمهم ولا تلفت انتباههم، وبمجرد أن يدخل الصغار تتحول تصرفاتهم، يبدون أكثر صمتاً وتحفظاً ولا رغبة لديهم في تبادل الحديث أو في الكلام من الأساس، ويتخذ الحوار شكل سؤال ورد غطاه، نعم هناك اغتراب واضح بين هؤلاء الصغار وبين ذويهم، لا يقابله أي جهد من الأسرة لتجسير الفجوة وكسر الحاجز. . ويوماً بعد يوم، تصبح زيارة الأهل شيئاً من الماضي، وبعد سنوات عدة يلتقي أبناء العم أو الخالة كغرباء في ممرات الجامعة، نعم يتواصلون عبر الـ«واتس أب» ضمن «جروبات» تضم مئات الأشخاص، أو يضعون «لايك» على صور بعضهم على الـ«انستغرام».