كتبت لي رسالة هاتفية مفادها: «قلة لها أنك بتتأخرين»، توقفت أنا مطولاً عند كلمة «قلة». سياق الجملة يقول إنها تقصد «قلت» سألتها ماذا تقصد، قالت هي كذلك. وهل هي غلطة مطبعية؟ قالت: «لا، هكذا تكتب، أليس كذلك؟». الآن هنا قضية. الأخت خريجة جامعة، وتحضر رسالة الدكتوراه في العلوم. لا تعرف الإملاء. أتساءل فقط كيف نجحت في الصف الأول الابتدائي؟ وهي ليست المثال الوحيد النادر. جاءتني زميلة عمل أجنبية تهوى تعلم اللغة العربية بورقة كتبها لها زميل عربي. طلبت أن أقرأ لها ما كتب، الأخ لم يكتب كلمة واحدة صحيحة. يكتب لكن هكذا «لاكن» وأنت/ أنتي، وبيتنا/ بيتنه.. الخ. لا ألوم خريجي المدارس الأجنبية. الذين تلقوا تعليمهم تحت إمرة نهج غربي بحت لا يُعير اللغة العربية الكثير من الاهتمام، لكن، ماذا نقول فيمن قضى سنوات تعليمه في المدارس العامة، على مدى اثني عشر عاماً، يكلف أهله الحقائب والملابس والأحذية وعدة القرطاسية. الذي نهض على مدى اثني عشر عاماً من ساعات الصبح الأولى، يكلف أمه عناء إيقاظه، والعودة إلى فراشه لإيقاظه مجدداً، وارتداء ملابسه، وتجهيز إفطاره، وخروجه إلى المدرسة، بحافلة عريضة، أو سيارة خاصة، أو سيراً على الأقدام، اثني عشر عاماً يسعى مثل حاجٍّ أبديّ في سلك التعليم والتعلم، ويتخرج بشهادة عريضة، يلحقها بشهادة أعرض بعد أربع أو خمس سنين في الجامعة، ليأتي فيكتب: «قلة لك». قلت لي ماذا؟ من أنت أساساً؟ هل تعرف نفسك؟. أنا لا أقول إن علينا جميعاً أن نتقن القواعد النحوية. شخصياً أرتكب الكثير من الأخطاء فيها. لكن.. الإملاء. الدرس الأول في المدرسة: «شربة الطفلت الحليب»؟. هل يصحّ؟ بأي وجه تكتب هكذا جملة ثم ترتدي ملابسك وتتأنق وتخرج لتواجه العالم؟ الأدهى في من لا يجيدون حتى الانجليزية. فيصيرون بلا لغة سوى اللهجة المحلية. في إحدى السنين، دخلت سلك التدريس، ووفقاً لتخصصي فقد درّست اللغة الإنجليزية لطالبات المرحلة الإعدادية. ولم تكن الكثيرات منهن يعرفن حتى الحروف الأبجدية الإنجليزية، ولا العربية. أسأل معلمة: «كيف نجحت هؤلاء، أنا لا أفهم؟»، تقول: «ينجحن على الحبر الذي يضعنه على الورقة». وهكذا، تكدس لدينا خريجون بالآلاف في «قُلّة» حبرنا.