قد لا يبدو السؤال الذي أرسله لي أحد القراء غريبا لكن توقيته كان كذلك، مع أن صاحبه لم يربط أي علاقة بين السؤال وتاريخ السابع عشر من أكتوبر، الذي يصادف احتفال العالم باليوم الدولي للقضاء على الفقر، وهو اليوم الذي لم يسمع به كثيرون ربما لأسباب موضوعية يأتي على رأسها يقين الناس بأنهم في خير ونعيم وحالة معيشية جيدة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالفقر، بالرغم من أن فكرة الاحتفال بتكريم ضحايا الفقر والعوز لم تخرج من ناميبيا أو بورما أو أي من الدول التي تقع تحت خط الفقر، ولكنها نبعت من بلاد النور والثقافة والأناقة، من فرنسا وتحديدا من مدينة باريس، هذا كله لا يمنع من التأكيد على أن الإمارات واحدة من أكثر بلدان العالم التي تقف على الدوام إلى جانب ضحايا الفقر والزلازل والجوع والأمراض وتمد يدها للمساعدة في كل الظروف ولها مشاريع عملاقة ومشهودة، في كل هذه المجالات. على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة نقرأ تعريفا بهذا اليوم وظروف إعلانه، ففي يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1987 اجتمع ما يزيد على مائة ألف شخص تكريما لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، حيث أعلنوا أن الفقر يُشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، وأكدوا الحاجة إلى التضافر من أجل كفالة احترام تلك الحقوق. وقد نُقشت تلك الآراء على النصب التذكاري الذي رُفع عنه الستار ذلك اليوم الذي يمثل فرصة للاعتراف بالعمل الجبار والنضال والتعب الحقيقي الذي يبذله ملايين الأشخاص حول العالم، ممن يعيشون في ظروف صعبة وبيئات فقيرة تنتهك إنسانيتهم أولا، وتعيقهم عن التمتع بحياة آدمية ناهيك عن الحياة الإنسانية! الغريب أنه وبحسب التقارير والإحصاءات العالمية فإن الأرقام والمشاهدات تؤكد أن خط الفقر في العالم كله يتجه صعودا وبشكل متسارع، منذ ذلك اليوم الذي أُعلن فيه عن الرغبة في القضاء على الفقر، الفقراء يزدادون فقرا وعلى حسابهم يزداد الأثرياء ثراء وبشكل ليس فاحشا فقط، ولكنه قد يقود إلى الجنون خاصة حين تعلن قوائم أثرياء العالم، فتتوالى عليك أسماء أوروبية وأميركية في معظمها تمتلك ثلاثة أرباع ثروة العالم، البارحة فقط كانت مقدمة البرنامج الاقتصادي تعلن عن امتلاك شقيقتين أميركيتين تنتميان لأغنى العائلات لما قيمته 69 مليار دولار! في حين لا تملك دول بكامل سكانها ربع هذا المبلغ، ومع ذلك يستمر العالم في الاحتفال بالتعاضد مع الفقراء، فينامون جوعى، بينما الأثرياء يرمون بأطعمة تقدر بمئات الألوف في مكبات النفايات دون أن يعلم أحد! ليس هذا من قبيل الوعظ أو المثالية، لكن لابد من الإقرار بأن الفقراء هم من يضاعفون ثروات هؤلاء الأغنياء، بينما يقفون هم في مقدمة صفوف مكافحة الفقر، إنهم يكافحون الفقر بالبقاء على قيد الحياة، بالإصرار على التعلم والعمل والزواج والسعي لحياة أفضل، وحتى إن لم تتوفر هذه الحياة فإن هؤلاء الفقراء لا يتسرب إليهم اليأس أبداً، ويبقى الواحد منهم في شوارع بورما مثلا واقفا على قدميه يطهو طعاما للمارة لعشر ساعات متواصلة ليحصل في ختام يومه على 5 دولارات لا أكثر! أما السؤال الذي أرسله لي أحد القراء فيقول هل يشعر الأغنياء بالملل بعد استهلاكهم للمنتجات والأشياء الباهظة الثمن؟ من البديهي أنهم يملونها ليشتروا أخرى، لتدور عجلة رأس المال، ليزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً!!