الطفل هو الرهان الحقيقي في نمو المجتمعات، هكذا فعلت أوروبا والدول المتحضرة، وهكذا غابت عنا نحن العرب الفكرة منذ زحفت علينا ظلمة الفكر، وأهملنا التعليم وضيعنا بوصلة الطريق، فالمطلوب من الجيل العربي الجديد اليوم هو المحافظة على الثوابت من الأشياء كالهوية العربية، والقيم الإنسانية الخالدة التي بشرت بها الرسالة المحمدية، وعدم القوقعة على الذات، والوقوف على الأطلال وذكر سليماء والمشم وزمزم، والجلد التاريخي للنفس، الخوف من الآخر، ومن الماورائيات التي تسجن الشخصية العربية منذ مئات السنين. المطلوب من الجيل الجديد الثقة بالنفس، لماذا نخلق شخصية طفل عربي يخاف من الشرطي، ومن المعلم، ومن المدير، أو يتلعثم أمام الميكروفون، أو لا يقدر أن يعبر عن نفسه بصدق وعفوية أو يخاف أن يصارح والديه بخصوصياته، وأسئلته القلقة والخجولة، طفل خائف اجتماعياً، دون معرفة مصدر هذا الرهاب. نحن بالتأكيد مسؤولون أمام هذا الجيل، لأننا لم نقدم له مشروعاً تربوياً أو ثقافياً عربياً متكاملاً، كانت اجتهادات وطروحات غير متراكمة، وغير واعية في أغلبها. بعد برنامج «افتح يا سمسم» اختفى كل المشروع التلفزيوني العربي للطفل، واكتفينا بالجهود الفردية، والإنتاج الموسمي في الأعياد. اكتفينا بنصب المراجيح له في الحدائق، واستيراد البرامج المعلبة، والصور المتحركة التي أعدت لطفل غيره، نستهين بمجلات الطفل فنوظف لها صحفيين مبتدئين فقط، يغيب التربوي، وعالم النفس، والاجتماعي، ومدرس الفن، ومدرس الفلسفة من مدارسنا، ولا أحد يهتم، تماماً مثل ما هو مدرس رياض الأطفال عندنا، يكون خريجاَ جديداً لا يملك الخبرة، ولا الدراية، ولا النفس الطويل. كذلك الأمر في البيت، نستورد له مربية أو شغالة آسيوية، رضيت أن تعمل لحاجتها في هذه المهنة، وهي غير مؤهلة لذلك، ونحن غير مستعدين أن ندفع أكثر، والنتيجة طفل شبه سوي، ولسان غير مبين. مشكلات الطفل تتحملها المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية في المقام الأول، وتأتي الأسرة في المقام الثاني، ولنا تجربة غير بعيدة حين استغلت فئات مشتبه بها غفلتنا وعدم اهتمامنا، واستطاعت أن تتغلغل إلى نفوس صغيرة وبريئة مستفيدة من الظروف ومن الشعارات التي تلقى هوى ولها فعل السحر، لتعبث بالمجتمع وأفراده، ونظامه العصري الذي يسيّره. أتمنى من الحكومات العربية التي تنشد التقدم، وتبتغي التطور أن تخصص وزارة للطفل من ضمن وزاراتها الكثيرة التي أحياناً بلا داعي، ترعى شؤونه، وتقوم المسؤولين عنه، تعد له البرامج التثقيفية لمختلف مراحل عمره، تهتم بوقت فراغه مثل اهتمامها بمدرسته، مستفيدة من تجارب دول أخرى كاليابان والصين وأوروبا وأميركا، كما تخصص له نشرة إخبارية خفيفة، ظريفة، تكثر فيها الصور، ويقل فيها الكلام، وتتولاها مذيعة جميلة، بعيداً عن مذيعي النكبة، والنكسة والفصائل المتقاتلة، تشرح له بشكل مبسط، ما معنى «داعش» مثلاً؟