عندما يهدر ويزجر، رجل تجاوز الأربعين عاماً، ويهدد بالضرب، والإهانة، رجلاً آخر، لا يملك غير أحلام غربته، وقميص حاجته، تشعر بالأسف، وينتابك شعور بالتقزز والاشمئزاز من هكذا أشخاص يشوهون صورة البلد بتصرفات عصبية هستيرية خارجة عن العقل والمعقول، منافية للآداب والأخلاق التي اتسم بها أبناء الإمارات. هكذا أشخاص هم سبة في جبين كل مواطن لأنهم وللأسف لبسوا الجلباب الأبيض، واعتمروا العقال وراحوا في الشوارع والأماكن العامة، رافعين أنوفهم في السماء، مهرطقين مطقطقين، لا يعترفون بقيم ولا شيم. فعندما تشاهد رجلاً بهذا العمر، يدخل على بائع في بقالة، مهدداً له متوعداً، محذراً ومنذراً، محتجاً ومرتجاً، غاضباً وقاضباً، عابساً نابساً، بأفظع الألفاظ وأشدها بذاءة، والسبب مخجل، فقط لأن رجل البقالة لم يكن لديه من الوقت، ليحمل مطلب الرجل إلى حيث يقف بسيارته في الموقف الخطأ، فاستشاط ذاك، وغلط كثيراً وأصيب باللغط، وما كان من البقال إلا أن يخفض بصره، هازاً رأسه في أسف، منكسراً متحسراً ولا يمكنه فعل أكثر من ذلك، فبعض الناس يؤمنون بالمقولة «يا غريب كن أديب»، ولكن للأسف أن المضيف وصاحب الدار لم يعترف بالضيافة ولم يحترم تقاليد أهله وذويه، الذين يجلون الغريب كما يقدرون ويحترمون القريب. حقيقة أن مثل هذه التصرفات التي تصدر من قلة، منافية لعادات وتقاليد أهل الإمارات، ولا تمت بصلة لنخوة أبناء هذه الأرض، ولكن البعض تأخذهم العزة بالإثم، ويتجاوزون حدود المنطق، وتأخذهم لحظة الطيش إلى وديان وعرة، وإلى صحار قاحلة، وإلى بحار مكفهرة وأرض مقفرة، فيقفزون بالأخلاق، في قيعان أقرب إلى المستنقعات، ويحرمون ضمائرهم من الصحوة في لحظة غفلة، فيسيئون إلى أنفسهم وإلى بلدهم، وإلى كل منجز حضاري تطلع به البلد. هؤلاء الأشخاص بحاجة ماسة، إلى إعادة تأهيل وإلى إعادة صياغة لأخلاقهم وترتيب مشاعرهم، وبخاصة إذا كان الإنسان كبيراً في السن لأنه من المفترض أن يكون لديه أطفال، وإذا كان الكبير بهذا القدر السيئ من الضحالة الأخلاقية فما بال الذين سيتربون على يديه. مأساة البعض أنهم يعتقدون أن إثبات المواطنية تأتي من الإضرار بمشاعر الآخرين، والإساءة إليهم، وهذه عقدة نقص، ودونية، تحتاج عملية جراحية عاجلة، للضمير للتخلص من ميكروب لحق بنسيجه. بعض الأشخاص يعاني من كتلة ألم داخلية، وحتى يتخلص منها فلابد أن يلقي باللائمة على شخص آخر، وحتى ولو كان السبب تافهاً لا يستحق كل هذا الارتعاش والارتجاف والاستخفاف والإسفاف، وهؤلاء بحاجة إلى حقن علاجية تدريبية تهذيبية، ترمم ما فسد من أخلاقهم، لأن بلادنا تزخر بمشهد رائع وناصع ولا نريد من يشوهه.