حين تزور مدينة ضاجّة بالأصدقاء، والوقت لا يتسع لهم، تخاف العتبى والعتاب، تركض وراء دقائق وقتك، تفرح بعطلة قصيرة جاءت هكذا·· لكنك تشعر أنك مقصر تجاه المدينة، وتجاه الأصدقاء الكثر، تجاه مدينة نظيفة وهواؤها يعجبك، وتجاه أصدقاء كثيرين يفصلك عنهم البُعد وحركة الحياة، هو اعتذار أوليّ لعمان المدينة، وكل الأصدقاء الجميلين الذين تضمهم. *** ــ أن تصل إلى آخر نقطة يمكن أن تطأ فيها قدماك أرض فلسطين، ولا تقدر أن تدخلها بسلام، فهذا أشبه بمن يوقظك من حلم جميل، ليذكرك بدفع الأقساط المترتبة عليك هذا الشهر، أن ترى أضواء القدس متلألئة، وعلى بعد فراسخ قليلة منك ولا تقدر أن تصلي فيها ركعتين تحية الوصول والحضور، فهذا أشبه بمن يقطع عليك طريق الحج أو يمنع حنجرتك من الدعاء، أن ترى تلك الضفة الغافية على الغضب وشعيل النار، يفصلك عنها نهر طالما تجرع عذابات ابن الناصرة، وخطايا الناس، أن تطلّ على تلك الضفة الأخرى وتشاهد كل هذا الحريق، ولا تستطيع عدواً ولا هرولة، ولا حتى مرافقة القطيع، ساعتها يتحول الحريق إلى داخلك ويمنعك حتى من تلك الأحلام الهاربة منك آخر الليل صوب الضفة الأخرى. *** ــ حين كان يقال لنا إن كيلو اللحم في اليابان يكلف 800 دولار، كنا نتعجب، ونتعجب أكثر كيف لا يتحول معظم اليابانيين إلى نباتيين؟! وحين كان يقال لنا إن سعر المتر المربع في طوكيو آلاف مؤلفة من الدولارات، كنا على يقين أن اليابانيين سيحاولون تصغير أحجامهم أكثر من الآن، وسيسعون جاهدين إلى تكييف أنفسهم وأوزانهم وأطوالهم وفق مقتضيات ضرورة العيش والحياة، والواحد منهم يكفيه بعد ذلك جحر ضب أو قن دجاج، لكن حين نعلم أن القبر يساوي 86 ألف دولار عندهم، وهي قيمة شقة مريحة في معظم دول العالم، نتعجب، أما الأكثر من العجب فهو أن القبر ليس لدفن جثة محنطة أو مكفنة أو ضمن تابوت خشبي غال، وإنما لدفن رماد الجثة المحروقة، والذي يمكن أن يوضع في زجاجة، أو تستوعبه «تنكة» زيت سيارات أو «كلن ايل» صنع اليابان. *** ــ حلو أن ينتظر المرء شيئاً، حلو أن يظل للقادم شوق، حلو أن تظل تلك اللهفة التي توعدنا بالجميل أو تواعدنا باختتام لحظات الانتظار، جودو، تلك الشخصية المتخيلة، جعلت البطل المسرحي ينتظر قدومه، خلق له تفاصيل، ألبسه ما يريد من الثياب، وجمّله بما يريد من أشياء، وظل ينتظر هذا القدوم الذي يأتي ولا يأتي، هكذا نحن مع بعض الحالات نتمنى أن نظل نتذكر وعدها، ومواعيدها وانتظار قدومها، ومرات نتمنى عليها أن لا تأتي، لأن فرحة الانتظار أحياناً، أجمل من الوعد.. جعل الله أول بشائركم الحب·