رغم الموارد الهائلة التي ترصد بسخاء لقطاع الصحة، والمنشآت الرائعة كصروح شامخة من مبانٍ وتجهيزات، سواء في القطاع الطبي الحكومي أو الخاص، لا تزال الشكاوى والملاحظات من الجمهور تزداد. ومن تسوقه الظروف لزيارة العاصمة التايلاندية بانكوك ويرى أهم وأكبر مستشفيين يستقطبان مرضى ومراجعين من الدولة، يعتقد أنه لا أحد قد بقي دون أن يهرع إليهما للاطمئنان على نفسه. كنت هناك ورأيت ما لدى المنشأتين من أجهزة وكوادر طبية وتمريضية، وأكاد أجزم بأن ما لدينا أفضل منهما بأشواط بعيدة، ولكن ما نعانيه في أغلب مستشفياتنا وعياداتنا هو خلل في المعاملة وسوء وتضارب التشخيص، تذهب معه كل تلك الجهود الضخمة دون جدوى. هناك ترى حشود القادمين من الإمارات، وتجدهم كذلك في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، تزيد أعدادهم أو تقل بحسب قدرات الأشخاص وإمكاناتهم، ولكنها ظاهرة بحاجة لوقفة جادة بعد كل هذه الرحلة الطويلة وما نعتبرها نقلات نوعية في القطاع الصحي والطبي. نعود لطرح هذا الموضوع المهم، بينما كنت أتابع وفي يوم واحد، شكويين أُذيعتا عبر برامج البث المباشر، كانت الأولى مأساوية بمعنى الكلمة، وصاحبتها تقول: «لاحظت وجود ورم صغير في ثديي منذ 2011، وراجعت مستشفى خاصاً فطمأنني بأن أتابع تطور الحالة كل تسعة أشهر، وبعد ذلك راجعته أوائل 2013، وتلقيت التطمينات نفسها، وفي أواخر العام ذاته راجعتهم فطمأنوني أيضاً، وبعد ذلك شعرت بتضخم الورم وطمأنني الطبيب بأن المرض حميد لكن يجب إزالته بعملية جراحية. . راجعت بعدها مستشفى حكومياً، وعقب الفحوص اكتشف الأطباء أن عندي سرطاناً في المرحلة الرابعة»، وختمت اتصالها بتساؤل: «حتى لو تمت معاقبة المستشفى الخاص أو الطبيب، فمن يستطيع أن يعيد لي حياتي؟». وفي اليوم ذاته، وفي برنامج إذاعي مماثل، كان أحد المتصلين يروي كيف عاد مع ابنه المريض الذي كان يتلقى العلاج في لندن يرافقه فريق طبي أجنبي للحفاظ على استقرار حالة الطفل أثناء السفر، وعند وصولهم مطار دبي، توقع أن يقوم فريق طبي باستقبالهم وأخذه مباشرة إلى المستشفى، خاصة أن الطفل مازال في مرحلة استكمال العلاج. واضطرت والده لحمله والنزول به من الطائرة، حيث طلبوا منهم التوجه إلى المركز الطبي في المطار، وكان الوقت يمر وهم بانتظار سيارة الإسعاف لنقله إلى المستشفى، و«عندما استفسر عن سبب التأخير أبلغوه بأن عليه أن يدفع رسوم فحص ابنه في المركز، وتسبب التأخير في عدم تمكن الفريق الطبي الأجنبي من التواصل مع نظيره الإماراتي لتسليمهم المريض وإطلاعهم على حالته الصحية؛ لأن طائرتهم كانت على وشك المغادرة». مشكلتنا في المعاملة والعنصر البشري العامل في تلك المنشآت. كل من تسأله في تايلاند عن سبب سفره إليها، يختصر الإجابة في حسن المعاملة وسرعة التشخيص، بينما تجد الكثير من العاملين في مستشفياتنا يستقبلون مرضاهم عابسين، كما لو أن لديهم ثأراً عليهم. ويخوض المريض متاهات المواعيد ليعرف بدقة ما يعانيه. هموم صحية بحاجة إلى وقفة حقيقية، ودونها ستتواصل رحلاتنا شرقاً وغرباً بحثاً عن ابتسامة حانية وتشخيص دقيق.