أقرأ عملًا روائياً فتصيبني حالة انتشاء لا تشبهها لذة أخرى جربتها. أخبر دوما عن هذه الحالة عندما يأخذني نص ما، فأغلب نفسي بالابتعاد عنه لفعل أمر يحرمني منه لفترة، لأضاعف حالة لذتي عند العودة لقراءته.‏ كنت سابقا أتساءل: هل كل من مر على هذا النص شعر بذات حالي؟ لم يعد هذا السؤال يشغل بالي بعدما التقيت بأصدقاء القراءة، واكتشفت تباينات التلقي المتعددة والمتناقضة أحيانا. فنحن نتشارك ذات النص ولكن تلقينا الذي يعتمد أساسا على ذواتنا يختلف تماماً. هذا كان سابقا، أما حاليا فما يشغلني تلك الحالة التي أصابت الكاتب لتدفعه لكتابة هذا النص أو بالأصح تلك الفقرة التي جعلتني أحلق، فهل أدرك الكاتب وقت كتابة نصه أنه يفعل ذلك بقارئه؟ هل المتعة التي لحقتني من القراءة تشبه لذته التي لحقته من الكتابة؟ هل تعمد الكاتب وفعل لأن يكون نصه مغرياً شهياً لهذه الدرجة؟ وهل متعه المتحققة حدثت أثناء انتهائه من النص أم خلال ذلك أم أنها سابقة وقت أن كان النص فكرة لديه؟ هل هناك تناغم بين حماس الكاتب وتفاعله مع ما يكتبه وبين درجة إقبال القارئ على المكتوب؟ ‏تكثر الأسباب التي تدفع الكاتب للكتابة، وأقصد هنا بالذات كتابة النص الروائي؛ يقولون الكثير حول دوافعهم، بعضهم يقول إنه يكتب لأنه لا يجيد أن يفعل شيئا غير آخر غير الكتابة، والبعض يقول إنه يفعل ذلك ليتنفس، والبعض يرى لزوم ذلك كرسالة عليه أن يفعلها لتحقيق هدف يريد أن يوصله لمحيطه أو العالم. غير أن الأهم والأكثر حضوراً في مجمل ما يقولونه، رغبتهم في خلق عوالمهم الخاصة، الذهاب بعيدا عن الواقع المعاش إلى عالم متخيل، قد يكون على وشك الحدوث أو حدث ويجب استدعاءه لفك شفراته، أو عالم يتمنى أن لا يحدث ولكنه قابل للحدوث الآن أو في أي مستقبل آخر. عندما يكتبون فإنهم يعيشون حيوات أخرى غير الحقيقية التي يعيشونها، في الخيال يرسمون شخوصهم ويعبثون بتصرفاتهم، يجعلوهم سعداء أو تعساء، ثم يفاجأوا بمصائرهم! عوالم قد تعود بهم لقرون لم يعيشوا فيها أو مستقبل ووقت لم يوجد بعد؛ العبث مع أشخاص لم يوجدوا حولهم، والزج بأنفسهم في منحنيات اختبار أرادوا اختبار مشاعر شخوصهم فيها، أرادوا النظر للحياة والأشياء من خلال عيون شخوصهم، هذا وأكثر من الأمور التي بكل تأكيد تخلق لهم متعاً لا حد لها، متعا تنتقل لنا عندما نقرأ ذلك، بنفس مقدار ما عانوه أثناء كتابته ليحصلوا على تلك المتعة. ‏Als.almenhaly@admedia.ae