بدأنا نفهم بعض مجريات التاريخ التي كنا نقرأها، ونحاول أن نقارب بينها، ونجعلها غير عصيّة عن الفهم، مثل الهجوم البربري أو الغزو المغولي أو نشوء الحركات أو الملل أو النحل، التي تعدت بضعا وسبعين فرقة، والكل يعتقد أنه الفرقة الناجية التي بشر بها الرسول الكريم، فإذا كان في القديم يعدون العدة، من خيل وجمال وبغال وسيوف، اليوم يكفي أن يضمن لك المهربون عبر منافذ حدودية غير مراقبة أو مسكوت عنها أو تغض بعض الحكومات الطرف عنها لأن فيها مصالحها التي يمكن أن تلعب ببعض أوراقها أو تحقق فيها منافع تعدها وطنية. يمكنك أن تتمرد، وهي حركة قديمة من التاريخ، وتعلن العصيان على أسيادك وأولياء نعمتك أو مستأجريك؛ لأن دورك الاسترزاقي قد أوشك على النهاية أو يريدون أن يضحوا بك ككبش فداء، أو بعبارة عملية من زمننا الذي نعيشه «ما لك شغل، ولا يريدونك، وأصبحت عبئاً عليهم»، حين تصل كفرقة من المرتزقة هذا الحد، تقرر أن تهدم المعبد على الجميع، وتبدأ ترقص رقصة الموت والبقاء، هكذا «داعش» كأحد مهازل التاريخ، ظلت بعض القوى المتحاربة، والدول الطامعة بأجهزتها السرية تطعمها حتى سمنت، وحينما قررت الانتحار، لانتفاء المبرر للبقاء، تسمت باسم أطهر منها، لكنه يشكل جزءاً من أحلام الناس الغائبة، واتخذت شعارات لا تصلح للزمن، لكنه يداعب أفكار بعض الرجعيين الطامحين القفز في الفراغ، وأخذت تجوس في الأرض الخالية من هيبة الدول، وقوة الأمن، وتنكل بالأبرياء، وتبطش في الصورة المذاعة للعالم، لتخلق هيبة ورهبة في النفوس، وقطع الرؤوس، والإعدام الجماعي، وبيع النساء في سوق للنخاسة علني، واسترقاق النساء والأطفال كإماء وغلمان، وما ملكت اليمين في العصر المبشر عندهم. إن اللعب في الفراغ الأمني، وغياب سلطة الدولة، وتكالب دول الجوار، والدول التي تحلم بعودة الاستعمار في مناطق عربية كالعراق وسوريا ولبنان، مكّن للمغامرين من أن يظهروا، ويختفوا بعد أن لفظهم الوقت، ومنطق الزمن، كالزرقاوي، وأبو سياف وأبو مصعب وأبو جلاّب والشيشاني وأبو الشباب والبغدادي، وغيرهم من الأسماء الوهمية التي تطرب لأسماء الحقبة اليثربية والمكية، ولا ترقى لأفعالها، معتقدة أن الجهاد كان على المستضعفين في الأرض، من أصحاب الأديان المختلفة، والنساء، والقاصرات، والأطفال، كغنائم بريئة لحرب هوجاء يشنونها باسم تلك الراية السوداء، والخط الكوفي القديم، بأيدي مرتزقة من دول مختلفة، ومجرمين من الحروب الفاشلة، كالشيشانيين، ورعايا جمهوريات إسلامية سوفييتية، وشباب يدقهم الفقر والجهل من الدول العربية، ويمنحون تلك الأفعال مباركة السماء عبر أجهزتهم الإعلامية الناقصة، ليقرأها العالم كل بطريقته، لقد تعجبت من اختيار اسم «دابق» لصحيفة «داعش» الرسمية، لاحظوا لعبة الأسماء منزوعة القيمة الإنسانية، كيف يمكنها أن تخاطب العالم، واسمها يشكل نفسه إعاقة، ويعني الدم!